خبر

من أخبار الرابطة


تعقد رابطة أدباء الحرية اللقاء الشهرى لمارس 2013، بتأبين الشاعرين الكبيرين د. جابر قميحه وصلاح جلال بمقر نقابة العلميين بجوار سينما ديانا من شارع عماد الدين في تمام الساعة السادسة مساء يوم الجمعه الموافق 29/3/2013

يسعدنا تشريفكم

الأربعاء، 29 فبراير 2012

أجمل مائة قصيدة



كتاب أجمل مائة قصيدة في الشعر العربي
ألف الأديبان الشاعران المصريان وحيد الدهشان وناصر صلاح كتاباً من القطع الكبير يقع في حوالي (240) صفحة يحمل هذا العنوان، وهو كتاب يضم بين دفتيه مائة قصيدة من الشعر العربي الحديث (زمناً)، بذل المؤلفان في جمعها جهداً واضحاً متكئين على رؤية عربية إسلامية أصيلة، وذائقة فنية ممتازة، واضعين نصب أعينهما ألا يضم هذا الكتاب إلا شعراً عربياً أصيلاً، شكلاً ومضموناً، فناً وفكرةً؛ لأنهما يؤمنان بأن للشعر رسالة عظيمة في حياة الناس، ويريان أن الشعراء الذين يحققون الرقي الفني والخلقي، وينشرون مبادئ الحق والخير في الحياة هم الذين يستحقون أن تختار قصائدهم، وتنتشر بين الناس، وقد أشار إلى هذه المعاني الشاعر المهندس وحيد حامد الدهشان الذي كتب مقدمة هذه المختارات الشعرية قائلاً : (انطلاقاً من قول الله تعالى في حق الطائفة المستثناة من الشعراء (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا)، ومن قوله تعالى: (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)، ومن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر لحكمة)، واستئناساً بما استقر في الوجدان من أبيات تدل على مكانة الشعر وأثره في النفوس كقول القائل : )ولولا خصال خطها الشعر ما درى / بغاة العلا من أين تؤتى المكارم(واستجابةً لفكرة الأستاذ قاسم عبدالله مدير مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع، أتي هذا الكتاب بما يحتويه من قصائد.
رتب المؤلفان الشعراء في الكتاب ترتيباً هجائياً واختارا قصائد متعددة لبعض الشعراء، وقصيدة واحدة لبعضهم، وعرفا بالشعراء تعريفاً مختصراً جداً في هامش الصفحة لا يتجاوز ذكر بلد الشاعر وتاريخ مولده، ومثال ذلك ما كتباه عن الشاعر المصري د.إبراهيم صبري الذي اختارا له قصيدة (رحلة الوجود) حيث كتبا في الهامش (شاعر مصري ولد عام 1935م)، والقصيدة منشورة في مجلة الهلال عام 1974م وقد تناولها بالدراسة النقدية د.حماد أبو شاويش في رسالة دكتوراه.
في هذا الكتاب تنوع يحقق المتعة للقارئ، ولا سيما أنه يضم عدداً من القصائد الشهيرة مثل (الشعر مع الله والذرة) للشاعر إبراهيم علي بديوي المولود 1903م، والمتوفى 1983م، ومطلعها:
)بك أستجير ومن يجير سواكا  / فأجر ضعيفاً يحتمي بحماكا(وآخرها بيت (حكمة) يقول :
(فإذا أردت العلم منحرفاً فما / أشقى الحياة به وما أشقاك)
ومثل قصيدة (إرادة الحياة) للشاعر التونسي أبي القاسم الشابي المولود عام 1909م، والمتوفى عام 1934م.
وقد يختار المؤلفان مقطوعات شعرية قصيرة يرميان فيها ما تستحق به أن تنضم إلى هذا الكتاب كمقطوعتي (خطبة فرعون) و(سلام المحارب) للشاعر المصري أحمد بخيت المولود عام 1966م.
لقد ضم الكتاب عدداً من القصائد الجميلة مثل (مواكب الإيمان) للشاعر المصري أحمد حسن الباقوري المتوفى عام 1985م، و(الأندلس الجديدة) للشاعر المعروف أحمد شوقي (أمير الشعراء) المولود 1868م والمتوفى 1932م، وبعض لافتات الشاعر العراقي أحمد مطر من مواليد 1952م، وقصيدة لإيليا أبي ماضي، وقصيدة (لا تصالح) لأمل دنقل، و(لماذا انحنيت) للدكتور جابر قميحة، وقصيدة مصر لحافظ إبراهيم، وقصيدة (المجلس البلدي) اللاذعة الضاحكة للشاعر المصري التونسي محمود بيرم التونسي المتوفى عام 1961م، ومن أطرف ما فيها قوله : (قد أوقع القلب في الأشجان والكمد / هوى حبيب يسمى المجلس البلدي/
ما شرد النوم عن جفني القريح سوى/ طيف الخيال.. خيال المجلس البلدي   / إذا الرغيف أتى فالنصف آكله والنصف أجعله للمجلس البلدي / كأن أمي بل الله تربتها / أوصت وقالت: أخوك المجلس البلدي)
إن فكرة المختارات الشعرية الأصيلة مهمة؛ لأنها تربط الأجيال بالشعر العربي الذي يفتح نوافذ الفن الشعري المطلة على بساتين الأدب العربي الإسلامي الأصيل، الذي يرقى بالذوق والفكر معاً ويغلق أبواب الانحراف والانحدار، ولا يضير هذه المختارات ما قد يعتريها من آثار ميول مَن اختاروها ما داموا ملتزمين بالجوانب المتفق عليها بين نقاد الأدب شكلاً ومضموناً. إشارة :
)يا روضة الشعر، هذا الفجر يخرج من أصلاب ليلتنا السوداء فازدهري)
منقول

شعاع من النقد: لحظة للشاعر محمد جوده


لحظه
للشاعر محمد جوده

وأنا داخل بتسحب جوايا
كان كل منايا
أتأكد إن ضميرى ما متش
وأطمن علي حجم الخير اللى ف قلبى
وأفتح شبابيك الروح اللى بتقفلها الريح
للشمس
من غير ما أحس بنفسى
مشيت ومشيت
وف وسط السكه هناك حسيت
بصداع ودوار البحر فنمت
حسيت بإيدين مسكا ف إيدى
فتحت عيونى لقيتو ملاك
دققت شويا لقيتو ملاك الموت
يا نهار أبيض
دأنا مش جاهز
طب ممكن تسمح لى بلحظه يا ملاك الموت
أطمن فيها على ضميرى
وعلى حجم الخير اللى ف قلبى
قال لى ما ينفعش
سلمتلو نفسى
وف آخر لحظة وهو بينزع منى الروح
فتحت
إرتحت شويا
لكنى جريت
علشان أطمن
على حجم الخير اللى ف قلبى
وأصحى ضميرى
وأفتح شبابيك الروح اللى بتقفلها الريح
للشمس

تعليق: خالد جوده

القصيدة تتماس مع الآية القرآنية الكريمة، وتستلهم التأمل حولها (قال رب ارجعون)، فهي روحانية المنزع، مبناها يتواءم مع موضوعها، فهي لحظة واحدة ترجوها الذات الشاعرة تراجع فيها رصيد الخير، لذلك كان هذا المبني القصير المعبر عن قضية محسومة، معلومة المقدمات والنتائج، يجب أن يشغل كل مسلم نفسه بها، وتظل المفردة الهامة نافذة القصيدة المضيئة (وافتح شبابيك الروح اللى بتقفلها الريح للشمس)

دليل الأدباء: مدونة عمار مطاوع


مدونة متميزة: لعضو الرابطة الشاب: عمار مطاوع

عطر يبقي: لقاء في الصيف بقصر ثقافة مرسى مطروح


في مرسي مطروح ألتقينا
15-9-2011

·   في لقاء متألق استضاف قصر ثقافة مرسي مطروح رابطة أدباء الحرية، وبحضور الأديب الرائع عشران متولي "عضو الرابطة" والقائم بترتيب اللقا، وأمتزجت بها إبداع وخواطر مثقفي مطروح، مع ابداعات أعضاء الرابطة لتثمر امسية شيقة، أدارها بتألق د. محمود سعد قنديل.
·   من أقوال الشاعر الكبير يوسف أبو القاسم الشريف: "اتحاد كتاب مصر أخطر نقابة فكرية في مصر، تضم في عضويتها أكثر من 2800 عضوا قائمين برسم الخريطة الثقافية لمصر"
·   ألقي الشاعر محمد جوده قصيدته أنا العاشق، قصيدة تكتسي نبض الحماسة والرقة معا، بها شغف العاشق بمصرنا الحبيبة، وحلاوة العشق، لكنه مسدد الثمن بالبذل والفداء، قصيدة يحرث بها الشاعر القلوب البور.
·   وفي قصيدة طريفة للشاعر خالد الطبلاوي،  حول رثاء بخيل موغلا في بخله، لحذائه بعد أن قضي هذا الحذاء نحبه مأسوف عليه من مالكه، أعاد بتلك القصيدة بابا خصبا من تراثنا الفكري في إنتقاء النوادر، وكشف الخصال النفسية لطوائف الناس، كما فعل الجاحظ ببخلائه، ويذكرني هذا ببيت ابو العتاهية (إنك إن تستنشق البخيلا / وجدته أنتن الأشياء ريحا)، وبمقولة (البخل جامعا لمساوئ الخلق)، وحق بذلك أن نقول ان الأدب طرافة وإمتاع وانتفاع.
·   أما الشاعر عبد القادر أمين فعقد في قصيدته عن الثورة المصرية المفارقة بين الفرح المستحيل وتحقق الحلم، ودلت علي ذلك مفرداته، (لو يبقى الكفن فستان)، والخوف علي الحلم (يتيم أخضر)، و (صدقتك يا محروسة) ليدل علي آلام الولادة.
·   وفي قصيدة ألقاها أحد أدباء مطروح كرر فيها مفردة (هاعديك يا ست الكل، يا ام الخير)، استخدم الشاعر تقنية التكرار ليرسخ المعني، ويعبر أسلوبيا عن إصراره، والقصيدة عبارة عن استطراد وتنويعات علي صورة الفارس المنقذ، فيها عتاب رقيق ليس عتابا يفسد الأحباب بل يصلحها.
·   أما الشاعر زكي خلفة من أعضاء الرابطة فقدم صورة شعرية ابتكارية، عن الثورة المصرية علي هيئة عرس ينبض بمعاني الشهادة والدماء، ولم تكن ابدا صورة فوتوغرافية للواقع، بل صورة مجازية معبرة.
·   أما الشاعر وليد موافي من أعضاء الرابطة فقدم قصيدة عشق لا نهائي للوطن، يتزين فيها الشهيد برداء الدماء، وعبر عن شفاة الروح عبر مدائن الجمال الشعري.
·   وفي قصيدة للشاعر صلاح الدين راشدان عبر في قصيدته عن قريته عن الخصوصية، عبر فن التفاصيل المغرقة في حميمية اللقاء بين الشاعر وقريته، فهو شاعر يدون من داخل قريته لا عن رؤية خارجية، ومن هنا اتت إنسانيتها المؤثرة.

نحو مدخل أدبي للدفاع عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - بقلم: خالد جوده


كان دافعي الأول لكتابة هذا المقال أداء حق الدفاع الأدبي عن رسولنا الحبيب محمد (صلي الله عليه وسلم) إذ يتمثل هذا الدفاع الواجب من أكثر من وجهه ، منها حلاوة يستشعرها قارئ النصوص  الشعرية ، والتي احتفت بسيد الخلق ( عليه الصلاة والسلام ) ، خاصة لما تضمه من حب وعاطفة جياشة نحو صاحب الرسالة في صيغة فنية متنوعة ، ورؤى فكرية متوهجة بالحب والمثال الكريم ، ولا شك أن ذلك يساهم في تنقية أنفسنا من سموم علقت بها من تناول سيد المرسلين ( صلي الله عليه وسلم ) ذاك التناول الحاقد من وقت لآخر ، هذا عن الجانب النفسي الخاص في التناول ، أما الجانب العام فيشهد دور الأدب المنشود في الإشادة والدفاع عن سيد المرسلين ورسالته ، من طريق تذكير المسلمين بضرورة التمسك بسنته وقيم الإسلام العظيم في ملمح هام : إذ ما تجرأ أعداء الرسول عليه لولا ضعف اتباعه وتركهم ما خطه لهم من سبل العزة والارتقاء . فقد كان للشعر دوره المشهود خلال عصور العروبة والإسلام المتعاقبة في الدفاع عن عقائد وأخلاق الأمة ، ممثلة في الذود عن الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) ومنهجه القويم ، حيث كانت قصائد الشعراء هي منبر الإعلام الأول والمؤثر في المجتمع حينها ، فالعرب كانوا هم أهل الفصاحة واللغة وتذوق الشعر ، لذلك حرص الرسول الكريم ( عليه الصلاة والسلام ) علي العناية بالشعر والشعراء والاستماع عليهم وتشجيع فنهم ، وتأكيد دورهم لنصرة الإسلام والمسلمين ، لذلك نجد استماع الرسول الكريم ( عليه الصلاة والسلام ) للشعراء وتشجيعهم علي البناء الموضوعي والفني والقيمى في شواهد كثيرة من السيرة النبوية ، فموقف الإسلام من الشعر أنه يؤيد الصدق الموضوعي إضافة إلى الاعتبار الفني كما دلت آية سورة الشعراء ، قال تعالي : " والشعراء يتبعهم الغاوون ، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ، وأنهم يقولون ما لا يفعلون ،إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا ، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون " ( 1 )  وبالنظر إلى رحلة قصائد ومطولات الشعر مع شخصية الحبيب المصطفي ( صلى الله عليه وسلم ) نجد أنها تمتد عبر أربعة عشر قرنا من الزمان ، ففي سيرة المصطفي ( صلي الله عليه وسلم ) وقف جماعة من شعراء الصحابة ( رضوان الله عليهم ) يذودون بشعرهم عن النبي الكريم ورسالته ، وتشرح قصائدهم أحاسيسهم الجياشة ، وتقديرهم وعظيم حبهم له ، فأدوا بذلك مهمتهم الجليلة ، ومنهم سيدنا كعب بن مالك ، الذي استمع إليه الرسول الكريم ( عليه الصلاة والسلام ) وهو ينشد قصيدته اللامية الشهيرة ( بانت سعاد ) ، فألقي عليه بردته ( فسميت لذلك بالبردة ) دلالة علي الحماية والأمان والتأييد ، فنال الشعر عامة والشاعر خاصة شرف الدهر وخلود الذكر ، فلم تحظى قصيدة من المديح النبوي بمثل ما حظيت به من احتفاء المسلمين بها جمهورا وأدباء ونقادا علي مر الدهور ، بل على منوالها نسج مئات الشعراء قصائدهم ، يقول في مطلعها بيته الغزلي الشهير والذي اشتهرت القصيدة به : (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول / متيم علي إثرها لم يفد مكبول)، وعلي أثرها نسج الشعراء روائع المديح النبوي كبردة البوصيرى الشهيرة ، وبردة أمير الشعراء أحمد شوقي وهمزيته والتي مطلعها الشهير يقول : (ولد الهدي فالكائنات ضياء / وفم الزمان تبسم وثناء)، ولو تأملنا في كم ومعاني الشعر الذي تناول شخصية الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) لوجدنا عددا هائلا من النصوص يصعب حصرها بدقة سواء كانت قصائد قصيرة أو مطولات شعرية أو قصائد غنائية أو قصة شعرية أو قصائد تعارض بردة " بانت سعاد " مثل " نظام البردة "، " نهج البردة " .... إلي آخره.
وقد اشتملت تلك الطائفة الهائلة من القصائد هذا الإحتفاء الواجب بشخصية الرسول ( صلي الله عليه وسلم ) وأخلاقه وجهاده وعطائه الموصول للقيم الإنسانية (
ومبلغ العلم فيه انه بشر / وأنه خير خلق الله كلهم)، وأنه أقرب إنسان إلى الله تعالي ورسالته تدعو للحق والسلام والخير ، يقول الشيخ الصاوي شعلان: (الحق رسالته لشعوب الأوطان / والعدل هدايته لجميع الأزمان / دعوته قــــرآن عربي التنزيل / صمدي علوي قدسي التأويل / الله معلمه ومولاه جبريل)، ويظل الرسول الكريم في قصائد الشعراء منارة الوصول ومحطة الأمان وشعلة الأمل كما قال كعب بن زهير في بيته الإطار الشهير: (إن الرسول لنور يستضاء به / وصارم من سيوف الله مسلول)، وكانت أيضا تلك القصائد روضه غناء تنبئ عن العاطفة للرسول الكريم بشكل ليس له نظيرا في سائر الآداب الأخرى (بشراك يا دنيا فتيهي وافخري / في مولد الهادي البشير المنذر / بشراك فالآمال مشرقة السنا / والكون يزهو بالسراج الأنور)، ويقول أحمد شوقي ( رحمه الله ) في بردته: (سرت بشائر بالهادي ومولده / في الشرق والغرب مسرى النور في الظلم)، وقد انتقل الأداء الشعري عن شخصية الرسول ( صلي الله عليه وسلم ) والعاطفة نحوه بأطوار مختلفة عبر عصور ممتدة لتشكل تيارات شعرية لها خصائصها المميزة ، فمن تيار المحافظين والذي مثله شعراء الصحابة ، حيث يبرز دور الشعر كأداة إعلامية في المقام الأول لخدمة الدعوة الإسلامية ، ثم التيار الصوفي ، والذي نجد به جملة من المدائح الرائعة ومنها بردة البوصيرى ، والمرحلة الأخيرة من تلك الرحلة في العصر الحديث تمتد لتشمل تيارا من قصائد المديح النبوي في إطار اجتماعي وحضاري ، حيث أصبحت شخصية الرسول الكريم ( صلي الله عليه وسلم ) تمثل الهوية الإسلامية في مواجهة التحدي الحضاري ، فكما يذكر د . حلمي القاعود : " تحولت شخصية النبي الهادي إلي ملجأ قيمي ونفسي ، ورمزا للتعبير عن قضايا ذاتية وعامة " ، ويذكر الأستاذ عادل البطريق : " وفي العصر الحديث يتجه المديح النبوي إلي الرصيد التاريخي لسيرة المصطفي ( عليه الصلاة والسلام ) وإلي التضرع والشكوى واستحياء مواقف العزة والبطولة في تاريخ الإسلام .... فالمدائح النبوية في العصر الحديث تعد دعوة لليقظة والصحوة الإيمانية التي تعيد للإسلام قوته وتبعث مجده من جديد " ، وبذلك مثلت تلك القصائد أهمية خاصة باعتبارها أداة للمقاومة وشعلة للأمل وسبيلا للنهوض وإشارة إلي جوانب مضيئة من المثال الكريم كقدوة للمسلمين ممثلة في أخلاق وحياة الرسول ( عليه الصلاة والسلام ) كسبيل للنهضة الإسلامية ورقي شعوبنا العربية " وقد تأكد في مرحلتنا الحالية حق الأداء الأدبي في الذود عن الرسول ( عليه الصلاة والسلام ) ، خاصة بعد جرأة الجاهلين عليه ، وتعمد الإساءة إليه ، بما يجب أن يتوافر عليه الشعراء خاصة والأدباء عامة ، وفي ميمية أمير الشعراء أحمد شوقي: (يا جاهلين علي الهادي ودعوته / هل تجهلون مكان الصادق العلم؟)، وفى الختام نشير على أهمية الإشادة بتلك القصائد الرائعة ومطالعتها والبحث عنها والتنعم بما تحمله من معاني راقية وأداء فكري وروحي مميز، خاصة وأنها تنتمي على عصور متباينة ولكل منها ميزاته وخصائصه الشيقة ، حيث أن لكل شاعر تناول حياة وأخلاق ودعوة الرسول الكريم ( عليه الصلاة والسلام ) أسلوبه وشخصيته البارزة في شعره والتي تعد بصمه خاصة به ، ويظل هكذا الشعراء ينهلون من هذا المورد الصافي الضياء لقصائدهم والمحبة لنبيهم .

الثلاثاء، 28 فبراير 2012

حضارتنا وثقافتهم - بقلم: خالد جوده

حضارتنا وثقافتهم

الفارق الإنساني بين حضارة الإسلام وثقافة الغرب
(الإطار الفكري والتاريخي)
خالد جوده أحمد

مقدمه :
هزنا جميعا كمسلمين الإستناد إلي دعوى الديمقراطية ورأي الجماهير في سويسرا لنفي مظهر مادي للمساجد في الإسلام وهو المآذن، دون رعاية للخصوصية الإسلامية، ودعاوي الحرية الدينية، ولم تكن مفاجاة بالنسبة لي حتي مع ما قيل أن سويسرا هي بلد الحياد والحرية، فالمواطن الأوربي لديه صورة سلبية عن الإسلام كونتها عقود طويلة من الإفتراء الإعلامي والسموم الفنية ، تصور الإسلام بكونه دين الإرهاب، والمسلمين باعتبارهم اعداء الحضارة ، لذلك أقدم هذا المقال دامغا ومدافعا وكاشفا .


1 – مفهوم الثقافة :
لم يختلف الناس فى تحديد مفهوم شيئ كما اختلفوا فى تحديد مفهوم الثقافة وكذا مفهوم الحضارة لدرجة تباين فيها الرأى بين اقصى اليمين وأقصى اليسار ، حتى قام احد الباحثين بحصر حوالى ( 165 ) تعريفا للحضارة وحدها ( 1 ) ، بل وتداخلت هذه المفاهيم مع غيرها من المفاهيم واختلفت اختلافا كبيرا حسب الزوايا أو وجهات النظر التى يرمى اليها الباحثين وبشكل يصعب استيعابه ، فهل الحضارة هى الثقافة ، ام لها مفهوما مغايرا ؟ ، وما هو المعيار الفاصل بينهما ؟ ، وكيف يمكن وصف المدنيات المختلفة عبر رحلة التاريخ بالنسبة لمفهوم الثقافة ومفهوم الحضارة ؟
2 – الحضارة : الثقافة المتقدمة المبدعة :
ا لحق ان الحضارة صورة أرقى من الثقافة ، فالثقافة تشير ببساطة الى : " الاسلوب العام لحياة جماعة ، او مجتمع معين ، فى مكان وزمان محددين . ويندرج تحت مقولة " الاسلوب العام " كل ما يرتبط من الحياة البشرية ، او الاجتماعية ، او الفردية بالبيئة الاجتماعية لا بالوراثة ، كاللغة ، والعادات ، والمعتقدات ، والطقوس ، واداب السلوك " ( 2 ) ، والثقافة تشير بهذا تلك المعارف المتراكمة والتى تثمر وجهات نظر معينة تصطبغ بها الحياة بالكامل وتؤسس فيما بعد القيم الحضارية ، فيقال ثقافة شرقية أو غربية ، اسلامية او غير اسلامية وهكذا ، أ ما الحضارة فتشير الى : " المظهر الثقافى المتقدم لدى شعب من الشعوب والذى تحدد درجة تقدمه مجموعة من الانجازات فى مجالات العلوم والاداب والنظم السياسية والاجتماعية " ( 3 )
وبذلك يتضح الفارق الجوهرى بين الثقافة والحضارة فالاخيرة كما اشار احد الباحثين تنشأ وتتطور وتزدهر لدى شعب معين فى فترة زمنية معينة من تاريخه الا انها قد تتعرض للخفوت او الاندثار فى فترات تاريخية اخرى ( 4 )، فليس كل ثقافة اذن مؤهلة لكى تنشأ حضارة خالدة تندمج فيها القيم المادية والانسانية ، بل هى فقط الثقافة المتقدمة المبدعة مكتملة العناصر ، و لكن الثقافة فى النهاية تتسم بالاستمرارية على حد تعبير د / حسين محمد فهيم : " اذ لابد فى النهاية من أن يوجد نمط معين من الحياة يهتدى به الناس فى مزاولة حياتهم اليومية سواء كانت بسيطة ام معقدة ، وعليه اذا – وعلى حد تعبير الكاتب جوزيف شريم – " لايفتقر شعب ، أى شعب ، الى الثقافة ، ولا يفتقر الانسان ، اى انسان ، الى الثقافة ، ولكن الشعوب ليست ( بالضرورة ) كلها متحضرة "( 5 ) .

3 – حضارة الاسلام كاملة النسيج :
وطبقا لهذا المفهوم فالحضارة هى التى تكتمل فيها عناصر التقدم ، وحضارة الاسلام خير مثال شاهد على هذا المفهوم ، فهى حضارة كاملة الاركان مادية وانسانية معا ، وهى ايضا الحضارة التى تجمع بين المادة والروح فى توازن دقيق واعتدال رشيد فلا تطغى احداهما على الاخرى ( كما يوجد فى ثقافات اخرى ) .
قال شاعر الاسلام " محمد اقبال " : " ان حضارة الاسلام تتمثل فى قوله تعالى : " وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا واحسن كما احسن الله اليك " ( 6 ) فهى توفيق بين العقل والعاطفة والوحى والعلم وبين المادة والروح " ( 7 ) ، ومنظومة المبادئ الاسلامية والمستندة الى جملة النصوص الشريفة ( وما اكثرها ) تؤكد بما لا يدع مجالا للشك – وكما اكدت مئات الصفحات وعشرات المؤلفات – ان الاسلام هو دين السماحة والرحمة والعطاء الانسانى ، وان من اقوى العوامل التى دفعت حضارة الاسلام نحو مدارج النمو الهائلة والتى مكنت للدين الاسلامى كى يفتح القلوب ويخالط شغافها هو تلك القيم الخالدة ، وقدرتها على الاستيعاب الحضارى للشعوب ، كما كانت حقوق الانسان فى الاسلام سابقه لمبادئ حقوق الانسان فى الغرب باكثر من اربعة عشر قرنا من الزمان ، بل ومتفوقه عنها من حيث المصطلح والصياغة والتطبيق العملى ( والمصادر متاحة زاخرة بالتفاصيل الكثيرة ) فقد حققت حضارة الاسلام منهج الوسطية وميزان الاعتدال فحققت ارقى منجزات الحياة المادية من بناء وعلوم كونية وطبيعية ومخترعات ، كما حققت الجوانب الانسانية فى الحياة فكانت الرحمة للشعوب وللعالم باسره ، على نحو لم يتحقق فى غيرها من الثقافات الاخرى خاصة الثقافة الغربية والتى تفتقد للقيم الانسانية كركن اصيل للحضارة بمفهومها الشامل .

4 – العامل الانسانى فى تكوين الحضارات :
الحضارة ( كما اشرنا ) كمفهوم شامل لا يستند وفقط على التقدم المادى ، بل ويشتمل ايضا على العامل الانسانى ، فالحضارة قسمان لا غنى لاحدهما عن الاخر ومن هذا التمازج تتشكل حقيقة الحضارة ، فقد نفى العلامة " محمود شاكر " ( رحمه الله ) صفة الحضارة بالكلية عن الحضارات التى تفتقد الصفة الانسانية فيقول : " فى التاريخ القديم تتحدث اوروبا العلمانية عن الحضارات القديمة ونحن لا نعد هذه المظاهر فى مفهومنا حضارات ، وانما مظهر من مظاهر البناء فالحضارة تتصف بالصفة الانسانية فاذا زالت عنها فانما هى تسلط وارهاب يعدونه حضارة وما البناء الذى شيدته الا بناء على جماجم اخواتها حيث رفعته على جثث الاف البشر ارغموا على العمل به واكرهوا على الكد فيه حتى لقوا حتفهم والسوط على اظهرهم " ( 8 ) ، اى اذا انفصلت الحضارة عن المعانى الانسانية اصبحت مجرد مظهر من مظاهر البناء الاجوف ولم تكن حضارة فعلا بمعناها الشامل الحقيقى ، وانما هى ثقافة مادية تفتقد لمقوم رئيسى من مقومات الحضارة .

5 – القيم الانسانية فى عالمنا المعاصر :
تتضح أهمية بحث الاطار الفكرى للقيم الانسانية فى الثقافات المختلفة تلك التطورات الفكرية والسياسية والعسكرية فى عالمنا المعاصر، خاصة فى منطقتنا العربية والاسلامية ، فعلى المستوى الفكرى ظهرت نظريات " نهاية التاريخ " ، و " الصراع الحضارى " ، و " النظام العالمى " ، و " العولمة " ، و " الطريق الثالث " ، وغيرها من افكار نابعة من الثقافة الغربية ، وجميعها تبشر بعالم انسانى بلا خوف أو الم ، ينعم بالديمقراطية وحقوق الانسان ، وعلى المستوى السياسى والعسكرى ظهرت الهيمنة السياسة الكاملة على مقدرات الشعوب الفقيرة والضعيفة ، والحشد السياسى والاقتصادى والعسكرى لانتهاب ثروات ومقدرات الشعوب ( خاصة الاسلامية ) تحت مسمى " الانسانية وحرب الارهاب " والتى وصلت ذروتها بالاحتلال العسكرى المباشر لدول اسلامية ، ومساندة كاملة لاسرائيل فى ممارستها اللانسانية فى فلسطين ، بل ووصلت المفارقة الى اقصى حدودها عند وصف الرئيس الامريكى رئيس وزراء اسرائيل برجل السلام ، ووصف المدافعين عن وطنهم بالمتوحشين سفاكى الدماء ، وذلك جميعه فى اطار حملة شرسه تصف الاسلام بانه دين اللانسانية والعنف ، والغرب فى ذلك يسلك طريقة " رمتنى بدائها وانسلت " ، وذلك جميعه يوجب الوعى والالمام بمفهوم الحضارة الحقيقية وانها لم تتحقق تاريخيا بمفهومها الشامل الا فى ظلال الاسلام الحنيف ، وانه على النقيض لما استحوذ الغرب على زمام الامور عانى عالمنا المعاصرمن ازمة حادة فى القيم الانسانية ( وما زال ) سواء على مستوى التسامح واحترام حقوق الانسان او العقلانية والحوار، ويشمل ذلك جميع الدول المستضعفة فكان الاعتداء على الدول واقامة المجازر تحت سمع وبصر العالم ، ومطالعة يسيرة لتقارير حقوق الانسان والصادرة من المؤسسات العالمية يبرهن على ذلك ويؤكده ، وفى مقاله معبره يقول الدكتور / ابراهيم سليمان عيسى : " تتوالى تقارير لجان حقوق الانسان ومنظمة العفو الدولية منذ عام 1990م وتدل بما- لايدع مجالا للشك – على ان مؤشرات اهدار كرامة الانسان متصاعدة بصورة خطيرة وبخاصة فى " العالم الثالث " وان التقدم التكنولوجى الذى احرزه العالم فى هذا المجال قد لازمه تراجع محزن مخيف فى العديد من الاقطار المختلفة ... الامر الذى يؤدى الى انهيار الكيان البشرى " ( 9 ) ، فما زالت صرخات حكماء العصر والتى تنبئ انه رغم التقدم المادى غير المسبوق فلم تصل بعد المبادئ والمثل الاخلاقية الى مستوى مماثل ، ويكفى فى هذا المقام ان نحيل القارئ الى تقارير وسائط الاعلام المختلفة والتى تذيع صباح مساء بالمشاهد الحية اخبار سحق الانسان وذبحة والاعتداء على مقدراته وحقوقه الانسانية ، ولا مانع فى هذا المقام الاشارة الى عينة مختارة من انباء مجازر المسلمين والتى تمت تحت عيون الغرب ودعمه المعنوى والاعلامى : انها مذابح العصر فى البوسنة الهرسك والان الى الارقام : ( 60000 ) امراة مغتصبة ، ( 30000 ) قتيل ( 3000000 ) شريد ( 10 ) ، وما زالت تلك المجازر قائمة على ارض فلسطين والعراق وغيرها لتظل ابدا وصمة عار فى جبين تلك الثقافة التى لا قلب لها والتى تدعى رغم ذلك انها رائدة الديمقراطية والانسانية .
وفى هذا الشأن لم اجد وصفا لشريعة الغرب والتى ترتكب هذه الاثام الا استعارة تعبير الشيخ " محمد الغزالى " ( رحمه الله ) حين وصفها بشريعة القتل والاستغلال فقال : " احسب تاريخ العالم لا يعرف فى سجله الطويل أسوأ من مدنية الغرب فى معاملة الاخرين ، وتجاهل مصالحهم ، ومصادرة حقوقهم ، بل انه لا يعرف أسوأ من هذه المدنية فى اراقة الدماء بغزارة ، والتهام الحريات بنهم وتجسيم الاثرة الباغية تجسيما يحجب ما ورائه من خير وعدل ، لا ، بل ان هذه المدنية تتميز ببراعتها الفائقة فى فرض اثمها على انه شرف ، وابراز شهواتها وكأنها قوانين نزيهة فالخير ما عاد عليها وحدها بالنفع وان كسرت قلوب الاخرين والعدل ما سوغ حيفها وان شاه وجه الحق واستخفت معالمه تحت ركام من الاقذار " ( 11 ) ، ورحم الله تعالى الشيخ الغزالى فقد وصف فاحسن الوصف ، والوضع المؤسف القائم يوجب ضرورة العمل على بعث حضارتنا الاسلامية لتؤدى دورها المنشود فى هداية البشرية الى شاطئ الخير والامان والانسانية .

6 – الاطار التاريخى :
والمقارنة بين انسانية حضارة الاسلام وانسانية غيره من الثقافات يستدعى قراءة النصوص الشريفة ، والسيرة النبوية المطهرة ، وفقه المعاملات فى الاسلام ، قراءة متأنية بما يخرج عن نطاق المقال الى جملة من الدراسات المستفيضة والشائقة والتى تناولت القيم الانسانية فى ظلال هذه المبادئ الكريمة ، ولكن ننتقل مباشرة من تناول الاطار الفكرى للمقارنة المنشودة من المقال الى الاطار التاريخى ، فلا شك ان حسن الشيئ يظهره الضد ، وعظمة القيم الانسانية فى حضارة الاسلام تزداد بهاء وجلالا ( على حد تعبير الدكتور / محمد عمارة ) " فى ضوء هذا " البؤس " الذى صنعه وما زال يصنعه الاخرون "( 12 ) ، ولا مانع من ان نضع مشاهد التاريخ متجاورة لنرى هذا الفارق الانسانى الهائل المذهل بين انسانية حضارة الاسلام ولا انسانية غيره من الثقافات ، والامثلة اكثر من ان تعد او تحصى ، ولكننا نكتفى بالتقاط بعض النصوص والمشاهد لتكون مجرد اشارة رمينا اليها من مجال المقارنة حتى يعى المسلم حقيقة ما يدور حوله ويعلم واجبه نحو حضارته ، والان الى تلك المختارات .

7 – مقارنة بين عدة نصوص :
اتفقنا أن المقارنة تزيد الامر وضوحا على وضوحه ، لذلك انتقيت من التراث الاسلامى ذاك النص المعبر الجميل عن الحضارة الاسلامية : " يامير المؤمنين اهل ذمتكم ، لا يكلفون ما لا يطيقون ، فان ما تجبونه منهم ، معونة لكم على عدوكم " ، والقصة التاريخية والتى وردت فى متنها هذه المقاله : انه لما قدم " عطاء بن رباح " سيد فقهاء الحجاز على الخليفة الاموى " هشام بن عبد الملك " فاكرم وفادته غاية الاكرام واجلسه معه على سريره وعنده اشراف الناس يتحدثون ثم سأله حاجته ، فسأله اكرام اهل الحرمين ، اهل الله ، وجيران رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وذلك بتقسيم ارزاقهم واعطياتهم فامر لهم الخليفة بذلك لمدة عام ، ثم سأله اكرام اهل الحجاز ونجد فهم اصل العرب وقادة الاسلام وذلك برد فضول صدقاتهم فاجابه الخليفة لذلك ، ثم ذكر اهل الثغور فاجابه لذلك ثم سأله الخليفة حاجه اخرى فقال له : " يامير المؤمنين اهل ذمتكم ، لا يكلفون ما لا يطيقون ، فان ما تجبونه منهم ، معونة لكم على عدوكم " ، ثم نصحه حتى بكى وانصرف ( 13 ) ، وهكذا نجد ان فقيه الحجاز يجشم نفسه مشقة الارتحال من الحجاز حتى الشام ليذكر خليفة المسلمين بالاعطيات وأهل الذمة ولم يطلب لنفسه شيئا .
وفى نص اخر واضحا اشد الوضوح ، دامغا فى ميدان المقارنة ، من رسالة نصارى الشام الى سيدنا " عبيدة بن الجراح " ( رضى الله عنه ) : " يامعشر المسلمين ، انتم احب الينا من الروم ، وان كانوا على ديننا ، انتم أوفى لنا ، وارف بنا ، واكف عن ظلمنا ، واحسن ولاية علينا ، ولكنهم غلبونا على امرنا وعلى منازلنا " ( 14 ) .
الوجه الاخر : وفيه ننتقل الى نصوص مختاره لقادة ومفكرى اسرائيل :
- الحاخام " ارون ليفى " الحاخام الاكبر للقدس عام 1799م يقول : " ليتجمع كل رجال الشعب اليهودى القادرين على جمل السلاح ولياتوا الى فلسطين " ( 15 ) .
- اما السفاح " مناحم بيجن " فيقدم فلسفته المميته قائلا : " ان قوة التقدم فى تاريخ العالم ليست السلام بل السيف " ( 16 ) ، ويقول ايضا شارحا : " قال ديكارت افكر فانا اذن موجود ، واقول اقتل فانا اذن موجود " ( 17 ) ، وله ايضا : " ان قلوبكم ايها الاسرائيليون لا يصح ان تتألم وانتم تقتلون عدوكم ولا ينبغى ان تاخذكم بهم شفقة طالما اننا بعد لم نقضى على ما يسمى بالثقافة العربية والتى سوف تقوم على انقاضها حضارتنا الخاصة " ( 18 ) ، اليس هذا ما نراه ويراه معنا العالم كله ؟ ، اليس هذا مضمون نظرية " صراع الحضارات " ؟ ، واين هذا جميعه من عطاء ورحمة حضارة الاسلام ؟ ، وهل هذا هو رد الجميل ؟ ، يقول " اسرائيل ولفنسون " : " ان الخسارة القليلة التى لحقت بيهود بلاد الحجاز ضئيلة بالقياس الى الفائدة التى اكتسبها اليهود من ظهور الاسلام ، لقد انقذ الفاتحون المسلمون الافا من اليهود كانوا منتشرين فى اقاليم الدولة الرومية ، وكانوا يقاسون الوانا من العذاب " ( 19 ) ، بل عاشوا فى ارغد حياة فى امن واطمئنان فى ظلال حضارة الاسلام .
- ولعل اختيارنا لتلك النصوص انما كان بصفة اساسية لكون اسرائيل هى الامتداد الطبيعى للغرب فى منطقتنا العربية ، فهى مزروعة فى قلب العالم الاسلامى لتؤدى دورها المنشود كطليعة للغرب فى منطقتنا ، والدعاية الاعلامية فى الغرب وحليفتها او وجهها الاخر ( اسرائيل ) كلها قائمة على هذا المضمون ، وهذا أيضا نص اخر ( لنفهم اكثر ) من ثقافة الغرب القائمة على الاستعلاء والقسوة ، يقول " بلانت " احد الانجليز الذين كانوا فى مصر بالحرف الواحد : " ... بموجب مرسوم 1895م يمكن الحكم على اى مصرى واعدامه صلبا او على الخازوق لمجرد انه امتعض من اعتداء جندى بريطانى على عرض زوجته او انه حال دون ذلك ... " ( 20 )
- تلك اذن هى ثقافة الغرب ، وقد انبانا الله تعالى عنهم فقال ( عز من قائل ) " كيف وان يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم الا ولا ذمه " ( 21 ) ، وليس عليك عزيزى القارئ الا ان ترى ذلك على صفحات الواقع فى بلاد شتى كما كانت من قبل ، وكما هى الان ، وكما ستحدث غدا حتى يفصل الله تعالى فى الامر ، ويقضى امرا كان مفعولا .

8 – مشهد من السيرة النبوية الشريفة :
. وفى صورة اجمالية دامغة يقدمها د/ محمد عمارة فى بحثه القيم عن سماحة الاسلام يذكر فيها : " انتصار الاسلام على الشرك الوثنى ذلك الذى فتن المسلمين فى دينهم ، واخرجهم من ديارهم .. وعلى الخيانة اليهودية ، والتى تحالفت مع الشرك الوثنى ضد التوحيد الاسلامى .. انتصار الاسلام عليهم ، فى عشرين موقعة – هى التى دار فيها قتال .. ما بين سنة 2 ه وسنة 9 ه - هذا الانتصار الذى غير وجه الدنيا والحضارة والتاريخ ، وكيف ان ضحايا هذه المعارك – من الفريقين – لم يتجاوز 386 قتيلا – 183 هم مجموع شهداء المسلمين و 203 هم كل قتلى قريش . بينما نجد الحرب الدينية والتى دامت اكثلا من قرنين – داخل النصرانية ذاتها بين الكاثوليك والبروتستانت ، فى القرنين السادس عشر والسابع عشر – قد ابيد فيها 40% من شعوب وسط اوروبا .. وفق احصاء " فولتير " ( 1694 – 1778 م ) بلغ ضحاياه عشرة ملايين نصرانى " ( 22 ) .

9 – مشهد من الحروب الصليبية القديمة :
بدأت الحروب الصليبية بمؤتمر " كليرمونت " سنة 1095م والذى حث فيه البابا " اوربان الثانى " المسيحيين على ابادة وحرب المسلمين تحت حجة حماية حجاج النصارى واسترداد بيت المقدس ، وبعد اربع سنوات تمكنت الحملة الاولى من سحق بلاد الشام واقامة اربع ممالك صليبية فيها ، كما احتلوا القدس فى يوم حزين من ايام شهر يونية 1099م ( 23 ) ، فماذا فعلوا مع المسلمين ؟ ، ان الاجابة على مثل هذا السؤال تستوجب العودة الى صفحات التاريخ لنقرأ فيها فصلا رهيبا من الابادة والتنكيل بالمسلمين فى مذابح رهيبة تظل ابد الدهر وصمة عار فى جبين هذه الثقافة ، ولا يماثلها – بل ويفوقها فى بشاعتها – الا مذابح المسلمين فى الاندلس ، ثم مذابحهم فى العصر الحديث ، ويكفى هنا ان نشير الى ان الصليبيين غلاظ الاكباد لم يتورعوا عن ذبح سبعين الف مسلم اجتمعوا واحتموا فى المسجد الاقصى غداة سقوط بيت المقدس ( 24 ) ، ولم ينجو من هذه المذابح المروعة الا ثلاثمائة مسلم فقط وكتب الصليبيون لبابا روما رسالة سجلتها كتبهم يقولوم فيها : " ان جنودنا كانوا يخضون بسيقانهم حتى الركب فى دماء المسلمين " ( 25) ، وقال المؤرخ الشهير " وليم الصورى " : " كان بيت المقدس مخاضة واسعة من دماء المسلمين " ( 26 ) ، واعتصمت حموع المسلمين فى مسجد عمر ( وهم الموضع الذى صلى فيه بديلا عن كنيسة القيامة حتى لا ياخذها المسلمين من المسيحيين ) ، فيسجل احد الكهنة المسيحيين ما رأى متألما : " لقد افرط قومنا فى سفك الدماء .. وكانت جثث القتلى تعوم فى الساحة هنا وهناك .. وكانت الايدى والازرع المبتورة تسبح كانها تريد ان تتصل بجثث اقتطعن منها " ( 27 ) ، اما " جوستاف لوبون " فيسجل فى كتابه الهام " حضارة العرب " تلك المفارقة المذهلة بين رحمة حضارة الاسلام ووحشية ثقافة الغرب فيقول : " فاولئك العرب الذين خرجوا من الصحراء ، اعطوا المسيحيين فى القدس " العهد العمرى " المشهور والذى تعهد فيه المسلمون بالمحافظة على كنائس المسيحيين ومقدساتهم . واما اولئك الاوروبيون فكانوا يجوبون الشوارع ويصعدون الى اسطح البيوت ، ليروا غليلهم بالتقتيل ، وكأنهم لبؤات خطفت اطفالها . وكانوا يذبحون الاولاد والشباب والشيوخ ويقطعونهم اربا اربا .. وكانوا يشنقون مجموعة من الناس بعضهم امام بعض بحبل واحد بغية السرعة .. وقد امر الامير " بوهيمند " باحضار الاسرى الى برج النصر ، فامر بضرب رقاب الشيوخ والعجائز والضعاف ، واما الشبان والرجال فقد سيقوا ليباعوا فى سوق الرقيق " ( 28 ) ، وبعد تلك النقول الست معى انها هى ذات المشاهد التى طالعنها (على مرأى ومسمع العالم ) فى الهند وبورما والبوسنة والهرسك وكوسوفا وغيرها وما زلنا نطالعها فى فلسطين والعراق والشيشان وكشمير وغيرها ؟
ان المفارقة بحق مذهلة ، فالحرب الاعلامية والتى شنها الصليبيون بدعوى اضطهاد النصارى قد نفاها المؤرخون الاوروبيون انفسهم بما اثبت - بلا ادنى شك – زيف خطأ هذا الرأى ، فالنصارى طوال عهود الاسلام تمتعوا برحابة صدر المسلمين ، فهذا بطريرك بيت المقدس يعترف فى رسالة سرية الى زميله بطريرك القسطنطينية ، جاء فيها بالنص القطعى : " ان المسلمين قوم عادلون ، ونحن لا نلقى منهم اى اذى او عنت " ( 29 ) فماذا ياترى كان جزاء المسلمين العادلين ؟ تلك الغارة والعدوان على الاسلام وشعوبه والتى تتم صباح مساء فى غلظة وقسوة منقطعة النظير .
وحتى تزيد المفارقة عجبا نضع صورة اخرى من التاريخ مشابهة تماما ، انها صورة القائد " صلاح الدين الايوبى " فى معاملة اعدائه واعداء الانسانية ، فعندما دخل بيت المقدس اتجه الى المسجد الاقصى الشريف فصلى وسبح بحمد ربه واستغفر ثم اتجه الى قبة مسجد الصخرة فانزل الصليب المعلق عليها وعطرها ( متى نرى هذا المشهد المبارك البهيج مرة اخرى ؟ ) ، واراد بعض الجند ان يحولوا كنيسة القيامة الى مسجد ، فابى القائد المظفر وامر بتركها مفتوحه ، وكان سقط فى يده سبعين الف صليبى ( وهو نفس عدد المسلمين الذين ذبحوا قبل 88 سنة ) واشار عليه اناس ان يثأر للمسلمين مما فعله الصليبيون عندما دخلوا بيت المقدس فجعلوه مخاضة من الدماء ، فابى ثم سمح لهم بالخروج امنين سالمين الى حيث شاءوا من المدن الصليبية الاخرى ، كما سمح للاميرات بالخروج مصونات مكرمات ومعهن الامتعة والملابس وكل ما يمكن حمله ومع كل اميرة حاشيتها وخدمها وكلهن فى امن وطمأنينة ، ثم فرض على كل اسير دية صغيرة قدرها عشرة دنانير على الموسيرين ، ودينار على الفقير ، ثم علم ان هناك اربعة الاف اسير لا يجد الواحد منهم دينارا يدفعه فدفع من ماله الخاص ديتهم فخرجوا فى سلام وامان ، حتى الاساقفة خرجوا محملين بمقتنيات الكنائس وفيها تحف من الذهب والفضة فلم يتعرض لهم احد ( 30 ) ، وهكذا من مئات القصص حتى لقد انتقد بعض المؤرخين موقف الناصر صلاح الدين من اطلاق الاسرى على هذه الشاكلة حيث كونوا جيبا قويا فى مدينة " عكا " والتى استقبلت فيما بعد حملة صليبية جديده من البحر ( 31 ) ، اليس هذا النموذج كافيا وحده ليوضح انسانية حضارة الاسلام فى مقابل وحشية وعنف ثقافة الغرب ؟ ، ان القائد العظيم اقتدى برسوله الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) عندما قال لمن اذوه واتباعه وضيقوا عليه وبغوا به القتل : " اذهبوا فانتم الطلقاء " ، وبهذا الخلق الرفيع ارتقت حضارة الاسلام ، ولقنت الغرب – كما يقول احد المؤرخين – البرابرة الغربيين درسا فى الاخلاق كانوا فى اشد الحاجة اليه ( 32 ) .

10 – مشهد من الاندلس الذبيح :
انتجت العبقرية الاسمية فى الاندلس من ايات الحضارة ما يعجز الباحث عن حصره ووصفه ، وتلك الحضارة السامية هى التى وضعت اسس النهضة العلمية والمادية فى الغرب فيما بعد لجانبها العلمى التطبيقى ، فبينما كانت اوروبا غارقة فى الظلمات والجهالة لم يوقظها سوى حضارة الاسلام التى ترفض مبدأ " البخل الحضارى " ، وتطبق معانى التعاون والعطاء والعدالة مع الشعوب ، قال ذلك احد الباحثين الغربيين : " ان اوروبا لتدين بالشيئ الكثير لاسبانيا العربية فلقد كانت قرطبة سراجا وهاجا للعلم والمدنية فى فتره كانت عواصم اوروبا خلالها لا تزال ترزح تحت وطأة القذارة والبدائية ، وقد هيأ الحكم الاسلامى لاسبانيا مكانة جعلها الدولة الوحيدة فلى اوروبا التى افلتت من عصور الظلام " ( 33 ) ، اما " جوستاف لوبون " فيقول : " وقد كانت ترجمات كتب العرب العلمية المصدر الوحيد للتدريس فى جامعات اوروبا نحو ستة قرون . ويمكننا ان نقول ان تاثير العرب فى بعض العلوم كعلم الطب مثلا دام الى الزمن الحاضر . فقد شرحت كتب ابن سينا فى مونبيليه فى اواخر القرن الماضى ... واذا كان تاثير العرب عظيما فى انحاء اوروبا التى لم يسيطروا عليها الا بمؤلفاتهم ، فقد كان تاثيرهم اعظم من ذلك فى البلاد التى خضعت لسلطانهم كبلاد اسبانيا .. ولن يرى الباحث مثالا اوضح من العرب على تاثير احدى الامم فى امة اخرى ، ولم يشتمل التاريخ على ما هو ابرز من هذا المثال " ( 34 ) ، كانت الاندلس اذن هى معبر العلم والفكر الى الغرب وذلك جميعه بفضل القيم الحضارية التى اسستها حضارة الاسلام ، وهذا احد المستشرقين الاسبان يسجل شهادته التاريخية : " ان اسبانيا ما كان لها ان تدخل التاريخ الحضارى لولا القرون الثمانية التى عاشتها فى ظل الاسلام وحضارته فكانت بذلك باعثة النور والثقافة فى اوروبا المجاورة المتخبطة انذاك فى ظلمات الجهل والتخلف " ( 35 ) ، فماذا ياترى كان الجزاء لما غابت شمس الاسلام عن الاندلس ، ودارت الدائرة على المسلمين ؟ ، كانت صفحة حزينة ومؤسفة من تعصب ووحشية الغرب ، ونكتفى هنا بمقولة وحيدة للمؤرخ " جوستاف لوبون " : " يستحيل علينا ان نقرأ دون ان ترتعد فرائصنا من قصص التعذيب والاضطهاد التى قام بها المسيحيون المنتصرون على المسلمين المنهزمين ، انهم عمدوهم عنوة وسلموهم لدواوين التفتيش التى احرقت منهم ما استطاعت من الجموع وهكذا تم قتل وطرد ثلاثة ملايين عربى كانوا يشكلون النخبة الفكرية والصناعية فى اسبانيا ، وهكذا انطفأت حضارتهم الوهاجة التى ظلت تشع على اوروبا منذ ثمانية قرون " ( 36 ) ، ومن اراد الاستزادة فعليه ان يعود للمراجع التاريخية والتى تصف هذه الفترة البائسة فى حياة الانسان ، ليرى ابشع صور من العنف والقسوة المتناهية ضد الانسانية ( والتى جاءوا يبشرونا بها الان ) ، انها المشاهد والتى ما زالت تتوالى طبعاتها القديمة الجديدة حتى الان .

11 –حفظ أماكن العبادة :
والى لقطة اخرى فى ميدان المفارقة التاريخية بين انسانية حضارة الاسلام وعنف ثقافة الغرب ، قد تكون دليلا للاشارة ومعلما على مدى البون الشاسع بين حضارة شامخة البينان ، وثقافة تنفث الحقد والدمار ، فقد سمعنا مؤخرا عن احراق المساجد فى فلسطين والاعتداء على حرمات المقدسات الاسلامية والمسيحية ، ومنها احراق ثلث المسجد الاقصى عام 1996م ، والاعتداء على كنيسة القيامة ، واحراق مسجد صلاح الدين عام 2002م ، وقبلها هدم المسجد البابرى فى الهند لتأسيس معبد هندوسى محله ..وهكذا فياترى كيف كان الحال فى حضارة الاسلام ؟ نكتفى بمثالين : المثال الاول : احد قواد الخليفة العباسى " المعتصم " ( 833:842 ) م امر بجلد امام ومؤذن ، لانهما اشتركا فى هدم معبد من معابد الهندوس ، لتستخدم احجاره فى بناء مسجد مكانه ( 37 ) . والمثال الثانى :عندما اراد " احمد بن طولون " بناء مسجده عام 263 ه واشار المهندسون عليه بان بناء المسجد فى حاجة الى ثلاثمائة عمود من الرخام وانه لايمكن الحصول عليها الا من الكنائس والمعابد القديمة فابى ان يفعل ذلك واستبدل بتلك الاعمدة دعائم من الاجر تقاوم الحريق ( 38 ) ، فلينظر أهل سويسرا المتعصبون !!

12 – ها انا ذا انتصر لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) :
هكذا طوفنا فى ارجاء معنى الحضارة وبما تفضل به الثقافة عندما تكتمل لها اركانها من عوامل مادية وعوامل انسانية وان افتقاد اى جانب من هذه الجوانب يعنى اننا امام كائنا مشوها يفتقد اساس خلوده وبقائه على قيد الذاكرة والتاثير فى الامم والتاريخ ، ولا تعدو تلك المظاهر الا شكلا باهتا لثقافة تقوم على الاستعلاء والعنف تغلفها مظاهر مادية يطلق عليها بهتانا وزورا انها حضارة .
ويظل العامل الانسانى هو المعيار الحاسم والذى يفرق حضارة الاسلام عن غيره من الثقافات ، فركيزة حضارة الاسلام حفظ كرامة ومصالح الانسان باعتباره الخليفة المكلف باعمار الحياة وصناعة الحضارة ، كما لاتؤمن حضارة الاسلام بالصراع والصدام الحضارى ، بل تقوم على الحوار لا الصدام ، والتفاعل لا الصراع ، وترفض البخل الحضارى ولا تؤمن بنظرية التفوق العنصرى او الاستعلاء الجنسى .
اما الاطار التاريخى فيبدو جليا عند المقارنة وما ازحم صفحات التاريخ من هذه المفارقات الكاشفة ( وقد اكتفينا باشارات موجزه بين ثنايا المقال ) حتى يؤمن المسلم بعظمة وسمو قيمه الاسلامية ويعمل لينهض بها من جديد .
فلايوجد فى تاريخ البشرية جميعه مثل هذه المفارقة المذهلة بين حضارة الاسلام وثقافة الغرب ، وهو الفارق نفسه بين اكتمال اركان الحضارة ، وبين ثقافة مصابه بالجزام ، والفارق نفسه بين الاسلام دين الرحمة والانسانية ، وبين غيره من الشرائع الهمجية ، وهذا البحث هاما فى ظل الظروف الراهنة فى واقع العرب والمسلمين فالغارة على اشدها ( بطريقة رمتنى بدائها وانسلت ) والغرب جاء يبشر امة الاسلام والعروبة بمبادئ الانسانية والديقراطية ستارا لاظافرة المسنونة ولعابه السام لانتهاب حيوتها وارتشاف خيراتها الوفيرة ( وما حديث العراق عنا ببعيد ) .
ان دورنا هو الوعى ، وفهم ان هذه الشريعة الغراء هى شريعة العطاء والرحمة وحقوق الانسان ورعاية الانسانية عموما تستحق منا ان نعمل لرفعة شأنها وتاكيد مبادئها فى جميع مجالات الحياة لنا ، وللعالم اجمع ، وان نعلم ان حضارة الاسلام قادرة على العطاء المتواصل رغم الغارة والضعف الشامل ، فالحضارة الاسلامية ليست تراثا مندثرا ، انما هى حضارة حية متفاعلة " غالبة صامدة " ، وهى طوق نجاة البشرية البائسة ، وان ضياء هذه الحضارة سيغمر العالم من جديد ليعيش ازهى عهوده ، ولن يكون ذلك الا بالجهد الجهيد ، والعمل المتواصل الوثيق ، وبالايمان العميق ، ولله در البطل الناصر " صلاح الدين " عندما اكرم اسراه من الملوك الصليبيين فاعطاهم الماء المثلج فشربوا على الظمأ الشديد بعد شراسة المعارك ، فلما اعطى احدهم الماء للامير " ارناط " الغادر ابى صلاح الدين قال : " ان هذا لم يشرب الماء باذنى " يريد انه لم يصر امنا من عقابه ، وكان ارناط قد سب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ودينه ، بل وارسل حملة على شبه الجزيرة العربية من البحر للعدوان على رسول الله فى مدينته ، ثم قال له صلاح الدين مقولته والتى يجب أن تنقش بحروف من نور فى فؤاد المسلم : " ها انا ذا انتصر لمحمد " فقتله بيده وفاء بنذره ( 39 ) ، وهذا يجب ان يكون شعار المسلم فيطالع تاريخه وحضارته حتى يعتز بها ويقتفى اثرها ، ويعمل على نشر مبادئها فى بيته وعمله ومجتمعه مع طلب الاحر من المولى تعالى ، وان يحسن صلته بالله تعالى طالبا العون والسداد ، وان يدعو معنا الله ( العلى القدير ) ان يحقن دماء المسلمين فى كل مكان ، ودماء البشرية جميعا ، وان يكشف البلاء عن الانسانية ويحفظ اوطان العروبة والاسلام وينصر دينه نصرا مؤزرا ، " والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون " (40) .
****
هوامش:
( 1 ) ص 66 / نحن والحضارة والشهود ( الجزء الاول ) – د . نعمان عبد الرازق السامرائى – سلسلة كتاب الامة – العدد رقم ( 80 ) – ذو القعدة 1421ه – وزارة الاوقاف والشئون الاسلامية بقطر.
( 2 ) : ( 5 ) ص 140/ ادب الرحلات – د . حسين محمد فهيم – سلسلة عالم المعرفة – العدد رقم ( 138 ) – 1989م ، " بتصرف "
( 6 ) الاية رقم ( 66 ) من سورة القصص .
( 7 ) ص 77 / حتى لا تضيع الهوية الاسلامية والانتماء القرانى – الاستاذ / انور الجندى ( رحمه الله ) .
( 8 ) ص7 / موسوعة " التاريخ الاسلامى " – العلامة / محمود شاكر ( رحمه الله ) – الجزء الاول – " بتصرف يسير " .
( 9 ) ص 15: 16 / كرامة الانسان احدى مقومات البناء الحضارى الاسلامى – د . ابراهيم سليمان عيسى – سلسلة دراسات اسلامية – العدد رقم ( 36 ) – وزارة الاوقاف المصرية – 1419ه ، 1998م .
( 10 ) ص 60 / الغد المشتعل – د . مصطفى محمود – كتاب اليوم .
( 11 ) ص 68 / الاستعمار احقاد واطماع – الشيخ محمد الغزالى ( رحمه الله ) – دار نهضة مصر للطباعة والنشر .
( 12) سماحة الاسلام – د . محمد عمارة – مؤسسة الفلاح للترجمة والنشر والتوزيع – 2002م .
( 13 ) ص 98 : 99 / الانابيش – الجزء الثانى – عبد الرحمن الضبع – مكتبة الايمان للنشر والتوزيع – " بتصرف " .
( 14 ) ص 63 / سماحة الاسلام / د. احمد محمد الحوفى – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1997م .
( 15 ) ص 33 / الصهيونية والعنف – الرائد / حسين طنطاوى – دار الشعب.
( 16 ) ص34 / الصهيونية والعنف – مرجع سابق . .
( 17 ) ص 39 / الصهيونية والعنف – مرجع سابق.
( 18 ) ص 49 / مجلة منبر الاسلام – عدد شوال 1414ه .
( 19 ) اليهود والتحالف مع الاقوياء – د . نعمان عبد الرزاق السامرائى – سلسلة كتاب الامة .
( 20 ) ص 13 / حقيقة الغرب – د . مصطفى عبد الغنى – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2001م .
( 21 ) من الايه رقم ( 8 ) من سورة التوبة .
( 22 ) ص 53 : 54 / سماحة الاسلام – د . محمد عمارة - مرجع سابق .
( 23 ) ص 81 / القدس – عبد الحميد الكاتب ( رحمه الله ) – الهيئة المصرية العامة للكتاب – " بتصرف " .
( 24 ) ص 10/ اضواء جديده على الحروب الصليبية – د . سعيد عبد الفتاح عاشور – الهيئة المصرية العامة للكتاب – " بتصرف "
( 25 ) ، ( 26 ) ، ( 27 ) ص 84 / القدس – مرجع سلبق .
( 28 ) ص 85 / القدس – مرجع سابق .
( 29 ) ص 16 / اضواء جديده على الحروب الصليبية – مرجع سابق .
( 30 ) ص 119 / القدس – مرجع سابق " بتصرف " .
( 31 ) الناصر صلاح الدين – د . سعيد عبد الفتاح عاشور " بتصرف " .
( 32 ) ص 32 / اضواء جديدة ...- مرجع سابق – " بتصرف " .
( 33 ) ص 59 / الحضارة الاسلامية وضرورتها للحضارة الغربية – د . احمد شلبى – سلسلة دراسات اسلامية – العدد رقم ( 27 ) – وزارة الاوقاف المصرية – 418 ه، ، 1998م .
( 34 ) ص 60 / من معالم الاسلام – محمد فريد وحدى ( رحمه الله ) – الهيئة المصرية العامة للكتاب .
( 35 ) ص 17 / الصحوة الاسلامية اليوم فى الاندلس ( جذورها ومسارها ) – كتاب الامة .
( 36 ) ص 18 / الصحوة الاسلامية اليوم ....- مرجع سابق ) .
( 37 ) ص 65 / سماحة الاسلام – د . احمد محمد الحوفى – مرحع سابق .
( 38 ) جريدة الاهرام القاهرية بتاريخ 11-2-1999م .
( 39 ) ص / صلاح الدين الايوبى ( حياته وعصره ) – محمد فريد ابو حديد – الهيئة المصرية العامة للكتاب – " بتصرف "
( 40 ) من الايه رقم ( 21 ) من سورة يوسف عليه السلام

الأحد، 26 فبراير 2012

الشاعر الكبير يوسف أبو القاسم الشريف - فارس الكلمة ورائد الثقافة بالصعيد

وجوه أدبية في رابطة أدباء الحرية 
الشاعر الكبير / يوسف أبو القاسم الشريف
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
الاسم: يوسف عبد اللاه محمد على أبو القاسم الشريف
المولد:ولد الشاعر يوسف الشريف عام 1958 في جزيرة شندويل تبعد عن مركز سوهاج 12 كم شمالاً.
المؤهل: تخرج من كلية الحقوق بجامعة أسيوط 1980 ويعمل مفتشَا للتحقيقات بمديرية التربية والتعليم بسوهاج.
مسيرته الأدبية
- عضو نادى الأدب بقصر ثقافة سوهاج
- عضو اللجنة الثقافية بجمعية الثقافة من أجل التنمية.
- عضو نادى القصيد.
- رئيس جمعية الأدباء بجزيرة شندويل خلال الفترة من 1986-2000م.
- ترأس مجلس إدارة مجلس الجزيرة الأدبية
- عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
- عضو اتحاد كتاب مصر.
- عضو الأمانة العام لمؤتمر أدباء مصر في دورته الثالثة والعشرين.
- الأمين العام المساعد لمؤتمر أدباء مصر في دورته الرابعة والعشرين.
- يشرف على منتديات "رابطة الرحيق" الأدبية. http://www.alrahiq.com/
مسابقات ومهرجانات ومؤتمرات
فاز في العديد من المسابقات الأدبية.
شارك في العديد من المهرجانات والمؤتمرات الأدبية على مستوى الجمهورية والعالم العربى والإسلامي.
تناول عدد من نقاد مصر الكبار أعماله بالدراسة والنقد والتحليل، في المؤتمرات الأدبية والمجلات المتخصصة.
اختيرت إحدى قصائده ضمن كتاب "أجمل مئة قصيدة في الشعر العربى الحديث والمعاصر" الذي صدر عن مؤسسة "اقرأ".
- كتب في مسرحة المناهج وفاز بالمركز الأول على مستوى الجهورية عن مسرحية المناهج بمسرحية "محاكمة محمد على باشا".
- منح العديد من شهادات التقدير والدروع من النقابات والمنتديات الأدبية وكرم على جهوده في إثراء الحركة الأدبية في مصر والوطن العربى.
- أخيرًا التكريم في 2010 مؤتمر أدباء مصر -في الدورة الخامسة والعشرون "دورة محسن الخياط- اليوبيل الفضى للمؤتمر" عن أدباء الوجه القبلى.
صدر له:
• ديوان "من يغرد للصباح؟".
• ديوان "دموع الليل".
• ديوان "شرفاء على الدرب".
• نشرت أعماله في العديد من الصحف والمجلات العربية. وفى المواقع الإلكترونية والمنتديات الأدبية والثقافية.
- أسهم باحثًا في إعداد معجم شعراء العربية الراحلين في القرنين التاسع عشر والعشرين، الصادر عن مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعرى بالكويت.
- أذيعت له العديد من القصائد عبر وسائل الإعلام المختلفة.
أعماله البحثية:
• اليسر ورفع الحرج في التشريع الإسلامي.
• المنهج الجدلى وأدب الحوار في التعامل مع الآخر.
• إرتباط الصور الشعرية بالبيئة.
أعمال تحت الطبع:
• ديوان "قصائد للغرباء".
• ديوان "أنا الإنسان".
والآن إلي قصيده من قصائده:
محبوبتي
شعر
يوسف أبو القاسم الشريف

عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
عضو اتحاد كتاب مصر
الأمين العام المساعد لمؤتمر أدباء مصر



سكبوا المداد، ومزَّقـوا أوراقـي
وتنازعوا أمـري وشُـدَّ وثاقـي
ومضوا إلى حيث البداية تنتهـي
وتعاملوا مـن منطـق الإغـلاقِ
وتسابقوا، .. كلٌّ يسطِّـر تهمـةً
وكأنمـا ملكـوا عَلَّـي خناقـي
وبكـل حقـدٍ أودعونـي حجـرةً
فيها تدار رَحَـىْ مـنَ الإرهـاقَ
قالـوا: عجيـبٌ أمـره متـدلـةٌ
هو عاشقٌ من دوحـة العشّـاقَ
أنا لستُ أحكي عن جميل بثينـةٍ
وابنِ الملوّح طـار فـي الآفـاقِ
وكُثْيرِ عزة قد هوى في عشقهـا
وهواكِ لبنى لـم يكـن بسياقـي
كلا، ولـم أنشـد لفـوزٍ قصـةً
كصبابة ابن الأحنـف المشتـاقِ
كـــلا، ولا ولاَّدةٌ أعطيـتـهـا
وجـدي، ولا أسقيتُهـا ترياقـي
ما جُنَّ عقلي كالمنخَّلِ إذ َسَبـتْ
ذاتُ الخـدور فــؤاده بـتـلاقِ
أنا عاشقٌ .. وصبابتي فيما ثوى
بين الضلوع وفي مـدى أحداقـي
الجرمُ أني مسلـمٌ يبكـي علـى
أطـلال عزتـه وطـول فــراقِ
الجُرْمُ أني لـم أَخـنْ وطنـي ولا
بعتُ الكرامة، حِدْتُّ عن أخلاقـي
الجُرْمُ أنـي أصطفـي أنشودتـي
وأصون حرفي من هوى الإغراقِ
الجُرْمُ أنـي أكـره الظلـم الـذي
حبس العقـول بوهـدةِ الإغـلاقِ
أنا عاشقٌ .. يبكي على محبوبـةٍ
سُلِبَتْ، فَسَعَّرَ جُرْحُهَـا أعماقـي
محبوبتـي حريتـيِ ولطالـمـا
غَنَّـتْ لهـا الأطيـارُ بالإشـراقِ
حريتي.. سلبوك يا نبـع السنـا
يا دفء وجدانـي جَنـا إيراقـي
لما بكى قلبـي فراقـك واكتـوى
بالنار من فرط الجـوى الدفّـاق
والدمـع سطَّـر شوقـه متبتـلاً
هيمان تسكنـه لظـى الأشـواق
كيف انعتاقُ النور من أَسْرِ الدجى!
حتـى يطيـب جمالـه بعتـاقَ؟
لما عشقتُ على المـدى حريتـي
وعشقتُ خارطتي وطِيبَ خَلاَقـي
وسَرَتْ بساحي كلُّ أطياف المنـى
وشَـدَتْ بلحـنٍ هائـمٍ تــوَّاق
وتقاطَرَتْ فوق الصحائف لوعتـي
خَطّتْ عليهـا رحلتـي وسباقـي
ونشيد إخوانـي وأحـلام الصبـا
وتوهّـج الآمـال بيـن رفـاقـي
لمـا تراقصـت البلابـلُ نشـوةً
وسرى بنا نـورٌ مـن الأخـلاق
لما بـدا روضُ الأمانـي يانعًـا
لما بـدا لهمـو سنـا الإشـراق
سكبوا المدادَ ومَزَّقُوا كـلَّ المنـى
لكن نـورَ الفجـر فـي أعماقـي
ومضيتُ للأسْر البغيض مُصفـدا
وأراكَ تعرفُ يا أخي.. ما الباقـي

دعوة للمشاركة في مسابقة منتدي عاطف الجندي الأدبي

نبارك للشاعر عبد القادر أمين فوزه بجائزة شعر العامية بمنتدى عاطف الجندي الأدبي عن شهر ديسمبر بقصيدة (هى دى كلمة عرب) وتم تكريمه في ندوة اتحاد كتاب مصر 14 يناير، كما فاز عضو الرابطة خالد جوده بجائزة المنتدى للقصة القصيرة عن شهر نوفمبر 2011، عن قصة (الحياة)، وتم التكريم بندوة الاتحاد يوم الأحد 12-12-2011، كما سبقنا جميعا الشاعر حسام خليل عضو الرابطة، وندعو جميع أعضاء الرابطة للمساهمة في هذه المسابقة والتي بدأت منذ شهر سبتمبر 2009، وحتي الآن، والتي تجرى فيها المنافسة بين عدد من الأعمال الأدبية المشاركة خلال الشهر علي المنتدي وتحسب درجة الجمهور بالتصويت من 30 درجة والمحكمين من 70 درجة، كما أن من الأعضاء البارزين والذين لهم مساهمات رائعة من أعضاء الرابطة الشاعر والقاص خالد الطبلاوى، والشاعر ناصر صلاح والذي سجل عضوية في المنتدي في أكتوبر 2010م.

التوثيق وحوار الإسلامية والعلمانية - مجلة الأزهر ثقافة عميقة بثمن زهيد

الأزهر في ثوبها الجديد، مجلة رائعة تقدم الزاد الثقافى والمعرفي لعشاق المعرفة والفكر، خاصة و القائمين عليها هم اعلام الفكر وافاضل العلماء ومنهم أ. د محمد عمارة، إضافة إلي كتاب هدية مع كل عدد، وهذا جميعه بسعر زهيد للغاية (جنيه ونصف فقط)، وفي العدد الأخير قدمت المجلة كتاب الأزهر (حوار الإسلامية والعلمانية) وهو حوار بين اعلام الفكر في مصرنا الحبيبة مع تقديم د. محمد عمارة، كاشفا فيه تنوع اطياف الفكر في كل فصيل وأهمية الحوار واهدافه النبيلة، ثم فقرات الحوار التي دارت بين مجموعة من المفكرين من الطرفين، وهو كتاب هام جدا في هذه الفترة المفصلية من حياة الأمة، إضافة لوجود مقال هام لـ أ.د خالد فهمى بالمجلة حول التوثيق وأهميته وجوانب متعددة وثرية من هذا الموضوع الهام للبحث العلمى والباحثين علي سواء

عندما يغرد الميدان - بقلم أ.د خالد فهمى

قراءة في أدب الثورة وتجلياته في ميدان التحرير (أ.د خالد فهمي)

مدخل
كانت أمارات الميلاد الجديد لمصر بادية الملامح، ظاهرة العلامات في غير ما مجال من المجالات الحيوية التي تحيط بواقع المصريين اجتماعيًّا وسياسيًّا।وربما أمكن، اليوم، الوقوف على أمارات هذا الميلاد الجديد الذي كان يتخلق في رحم التاريخ، في عدد غير قليل من العلامات الفنية والأدبية والجمالية।صحيح أن هذا العدد من العلامات الجمالية كان يلوذ بتقنيات تعصمه من المطاردة، أو المنع؛ ما أفسح المجال واسعًا لانتعاش تقنيات التخفي والاستتار، وانتعاش بلاغة الأقنعة والإسقاط، وازدهار سوق مجازية الصمت والمراوغات!.لقد حوصرت الأصوات الإبداعية الجادة، على الرغم من لياذها بما كان مما أنبئت به مما سميته سلفًا باسم "بلاغة الأقنعة"، و"مجاز التلميح"؛ ذلك أن اقتران الجد ببعض هذه الأصوات الأدبية كان قرينةً كافيةً في عصر الاستبداد على أن هذا الأدب يحمل شيئًا ضارًّا ببنية ذلك الاستبداد الذي كان.لم تكن رحلة اللجوء إلى بلاغة الأقنعة، وتقنيات التخفي شاقةً ولا وعرةً؛ ذلك أن تاريخ التقاليد الأدبية العربية وغير العربية تملك رصيدًا هائلاً من مفردات هذه البلاغة، وتحوز رصيدًا هائلاً من تقنيات هذا الاستتار.لقد كان اللجوء إلى هذا الذي سميته لك من جانب المبدعين، مصحوبًا بذائقة متعالية من جانب جمهور المتلقين، تقنع باللمحة، وتذوب في عمق التخفي مبحرة، عائدة بالمغزى، وتكشف عن قسمات الوجوه خلف الأقنعة؛ مما كان يسهل الأمر، كذلك وصول الرسالة الأدبية والجمالية لعمل المبدعين.كانت هذه الملامح المتناثرة أشبه شيء بالطاقة الكامنة في النفوس المبدعة، تتراكم وتحوِّم حول الفعل الإبداعي، حتى إذا صادفت مناخ الثورة انطلقت، وأنتجت، وأينعت، وأنبتت من كل جنس أدبي إبداعًا.(2)استحياء الماضي الإبداعي القريبوفعل التخصيب لأدب الثورةكان حدث الثورة جبارًا، ومفاجئًا، ومتلاحقًا، وسريع الخطى والوقع، وهو الأمر الذي كان يستوجب التعاطي معه بالخصائص نفسها قوةً وسرعةً وتلاحقًا.في هذه الأثناء لجأ العقل الجمعي للثوار إلى تقنية استحياء الماضي القريب، وإعادة استحضاره لمواءمة الحدث الجليل، من خلال مسارين ظاهرين جدًّا، هما:1- مسار أرض الميدان في التحرير.2- مسار الفضائيات المعالجة لشأن الثورة.لجأت المنصَّات التي نصبها الثوار في ميدان التحرير إلى استحياء الأغنيات القديمة من دون النظر إلى السياق القديم الذي أحاط بها؛ اعتمادًا على الإطار المرجعي لموضوع الوطن الذي يمثل العنصر المحوري في هذه الأغنيات قديمًا، فتجاورت أغنيات من زمن مقاومة الاحتلال الإنجليزي، ومن زمن مؤازرة ثورة يوليو 1952م، ومن نتاج الانتصار على الكيان الصهيوني، من مثل: "إحنا الشعب" لصلاح چاهين وعبد الحليم حافظ، و"حكاية شعب" لأحمد شفيق كامل، "وَاحْلِفْ بسماها" للأبنودي وغيرها.ثم سار في الاتجاه نفسه فعل الفضائيات العربية التي بدت متعاطفةً مع الثورة، وهو ما أعاد أعمالاً أدبيةً وفنيةً رائعةً إلى الوجود الحي من مثل:أ- نشيد الجهاد، لمأمون الشناوي، وغناء محمد عبد الوهاب.ب- مصر تتحدث عن نفسها، لحافظ إبراهيم، وغناء أم كلثوم.ج- دعاء الشرق، لمحمود حسن إسماعيل، وغناء محمد عبد الوهاب.د- أنا الشعب أنا الشعب لطلال قديم، وغناء أم كلثوم.كان هذا الاستدعاء والاستحياء فعلاً أوليًّا كان الغرض من ورائه ملاحقة الفعل الثوري، ودعم وجدان الثوار نفسيًّا، واستبقاء شعلة الثورة مشتعلةً في النفوس؛ بما للكلمة المبدعة والملحَّنة من أثر ظاهر لا يُجادل أحد في قيمته.(3)تجليات الميدان الإبداعيةمقال في حدود المنجزكان استحضار عدد من القصائد الوطنية التي تسكن الذاكرة القومية نقطة البداية التي مهدت للفعل الإبداعي على أرض الميدان، بما حققته من مساحة زمنية ريثما تشحذ قرائح المبدعين لملاحقة الثورة والتعاطي مع أحداثها.وهو الأمر الذي لم يستغرق وقتًا طويلاً حتى انفجرت قنوات الإبداع على أرض الميدان في اتجاهات متعددة.وقد أنتج ميدان التحرير بما حان من حالة عبقرية فريدة، ومن حالة إنسانية متميزة، مجموعةً من التجليات، يمكن إجمالها فيما يلي:- أولاً: تجليات الميدان شعريًّا (على مستوى الفصحى والعامية).- ثانيًا: تجليات الميدان شعاريًّا (أي على مستوى ما طُرح من شعارات).وهما المجالان اللذان ستقف هذه الورقة أمامهما، محاولةً فحص أمرهما، وتأمل خزائنهما.والعلامة المركزية التي تتبدَّى من خلف تأمل التجليات الشعرية لميدان التحرير؛ قلب الثورة النابض، تكاد تنحصر في الأصوات الشعرية المنتمية؛ بمعنى التي يحفظ لها الوعي الجمعي موقفًا نزيهًا وشريفًا في مواجهة النظام الذي كان قبل أن يزول؛ وهو ما أكسب هذه الأصوات قبولاً وتأثيرًا في الملتقى، من اتجاهات جمالية، وفكرية معًا.لقد كان ثمة ظهور لبعض الأصوات التي استقر في العقل الجمعي المصري قربها من دوائر النظام، يوم كان في سدَّة الحكم، وقد كان هذا الذي استقرَّ ذا تأثير ظاهر الضرر على ما بدا وكأنه محاولةٌ للحاق بركب الثوار، واقتناص اللحظة شعريًّا في محاولةٍ للإيهام، والمثال الحاضر بقوة هو قصيدة (الميدان) لعبد الرحمن الأبنودي، التي يمكن الحكم عليها نقديًّا، بأنها ولدت في ثلاجة الموتى، صحيح أن هذا الحكم النقدي انطباعي بامتياز؛ لكنه عند الذين أطلقوه ناتج خبرة مستندة إلى ذوق لا يُخطئ، والذوق نقطة فارقة لا يمكن محاصرتها في أي منهجية نقدية.وصحيح أن في القصيدة بعضًا مما يسمى في دستور النقد دلائل صنعة أدبية، لكنها صنعة المحترف للشعر، المحترق بالشعور والوجدان.ولعلَّ بعضًا مما يدعم ذلك الحكم كامن في السطور التالية:- الثورة فيضان قديم.الثورة متبانش في كلام أو قول.آدي الميدان اللي حضن الذكرى وسهرها.آدي الميدان اللي فتن الخلق وسحرها.ما بين عباد عاشقة وعباد كارهة.شباب كان الميدان أهله وعنوانه.وعلى الرغم مما يصبغ هذه الثورة من استثمار للمفردة المركزية، وهي الميدان، ومما سكن بنية هذه السطور من عناصر إيقاعية ظاهرة المكان، فإن روحًا غامرةً تعود بها بعنف إلى صفوف النثرية المفرطة! ولا سيما في هذا الأخير هنا.(4)وطن يعود॥ وفجر يحلق مشرقًاملامح شعرية الفصحى في الميدانوبعيدًا عن هذا الصوت الذي أشرت إليه، وبعيدًا كذلك عن صوت بدا محترفًا ومحترقًا بقضايا الوطن والمجتمع؛ هو صوت الشاعر فاروق جويدة في قصيدة: (ارحل وعارك في يديك) بدت الملامح الشعرية التي أبدعها ميدان التحرير شبابيةً بامتياز، تعكس وجوهًا عديدةً لعلامات التهميش والقهر التي مُورست ضد أبناء هذه الأجيال الناهضة.ولعلَّ أول صوت كان واضح الظهور بما هو من تجليات الميدان حقيقةً وواقعًا هو الشاعر/ خالد الطبلاوي في قصيدته: (تبت يدان) التي نشرها يوم 27/ يناير/ 2011م.وقد كان ظاهرًا جدًّا استجماع القصيدة مسوغات الثورة، وحيثيات الانتفاضة، وهو ما بدا في تكثيف القول الشعري حول رأس النظام بما يمثله من امتياز لفعل الاستبداد؛ يقول الشاعر:تبت يدايدك التي سرقتوأخرىصادرت منا الأمانوقد يكون هذا المقطع كافيًا في منح الثورة وجهًا شرعيًّا، وقد نزل الذكر الحكيم ليقول: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)﴾ (المسد)، ويأخذ الشاعر في حشد ملامح النار التي أشعلت فعل الثورة، عندما يقول:مت يا جبانمت في متاهات القلقيا أيها الوغد الذي لم يبك يومًافي وداع من احترقيا من عصرت الناس عصرًاكي يجف رحيقهموترحب الأجسام بالنيرانأو تهوي لتنجو بالغرقمت في متاهات القلقفالكل ينتظر الخلاصلا فرق بين الموت محترقينأو نهشًا بأسنان الرصاصالناس ماتت في القطار وفي البحار وفي الهواءالكل في وطني سواءحتى الذي ما مات بعدُيلوكه فكُ الشقاءويتبدَّى من استثمار تقنية النكوص، أو الارتداد نحو مشاهد من الذكريات المؤلمة القاتلة التي طحنت الشعب المصري نوع من اقتناص الشرعية، ومواجهة كل الذين أرادوا عودة الجماهير إلى الهدوء، كانت الذكريات تعيد مشاهد الليالي الرهيبة، والأوقات العصيبة وهي تحرق أو تخنق أو تغرق الأحلام البسيطة، وتلفها في أكفان الحزن العميق.ولذلك كانت نبوءة الشعر نفاذةً قويةً، تملك مقومات قوتها وهي تعلن عبر صوت القصيدة:وغدًا تحاصرك الحناجر صارخات بالرحيلكل المساكين الذين حصرتهموحصدت جيلاً بعد جيلوأنا خرجت بكل أبنائي لأدفع حصتي في كبرياءفارحل بعيدًافلن يبكي عليك ترابُ أرضيلاولن تبكي السماءكانت تجليات ميدان التحرير تعكس وجهًا مشرقًا لوطن طالما خمش ملامحه الاستبداد الذي ان، والفساد الذي عشش في كثير من الأجيال.ومن أجل ذلك تعالت الدعوات الشعرية والجمالية إلى تمزيق الدفاتر التي جمعت ملامح الوجه في عهود الاستبداد، وإلى الكشف عن ملامح النور في وجه الوطن، بما هي ملامح أصيلة طمرتها يد الاستبداد لزمن طويل.وفي هذا السياق يقول هشام الجخ في قصيدته (مشهد رأسي من ميدان التحرير):مزِّق دفاترك القديمة كلها واكتب لمصر اليوم شعرًا مثلهالا صمت بعد اليوم يفرض خوفه فاكتب سلام النيل مصر وأهلهاعيناك أجمل طفلتين تقرران بأن هذا الخوف ماض وانتهىكانت تداعبنا الشوارع بالبرودة والصقيع ولم نفسر وقتهاكنا ندفئ بعضنا في بعضنا ونراك تبتسمين ننسى بردهاوإذا غضبنا كشفت عن وجهها وحياؤنا يأبى يدنس وجههالا تتركيهم يخبروك بأنني متمرد خان الأمانة أو سهاإني أعيذك أن تكوني كالتي نقضت على عمد وجهل غزلهالا تتركيهم يخبروك بأنني أصبحت شيئًا تافهًا وموجهًافأنا ابن بطنك وابن بطنك من أراد ومن أقال ومن أقر ومن نهىصمتت فلول الخائفين بجبنهم وجموع من عشقوك قالت قولهاوالقصيدة ناطقة بتجليات الميدان على مستوى المعجم الشعري ابتداءً بما سكن معمارها من مفردات كانت شديدة الدوران على ألسنة الثوار، وهو ما يظهر في القائمة التي تضمُّ المفردات التالية: (مزّق/ مصر/ الخوف/ غضب/ متمرد/ أقال/ فلول/ جبن/ عشق)وتأمل هذه المفردات يلمح إلى تجاور ألفاظ الثورة لألفاظ ما أدى إليها، وهما معًا يتجاوران مع الثوار العاشقين المنتمين إلى الوطن في مواجهة الفلول الجبناء المذعورين من الميدان.في هذين النموذجين ترتفع نبرة تثوير اللغة عبر مسارات المعجم، والتراكيب، في استثمار واضح للأصوات ذات القمم الإسماعيلية العالية، متمثلة في تنامي ثلاثة أنواع متجاورة (مجموعة الأصوات المجهورة/ ومجموعة الأصوات الصغيرة/ وجموعة أصوات المد).وفي هذين النموذجين مرة أخرى غياب ظاهر للمجازية الكثيفة؛ بمعنى أن حالة الميدان التي تفرض الالتحام بالجماهير أوعزت لشاعرين صاحبي النموذجين أن يخفضا بمعدل المجازية العالية المحفوفة بمستوى من الغموض الظاهر، ولذلك شاع في القصيدتين عددٌ من التقنيات التي تهدف إلى تحقيق أعلى عائد من وراء بلاغة الرفض والتحريض والتثوير، من مثل:أ- التناص، أو استعمال نصوص في النموذجين يفرضان استدعاء لسياقاتها المنقولة منها، على ما يظهر من التناص مع آيات سورة المسد، ومع الرويبضة (وهي لفظة حديثية).ب- اللجوء إلى تقنية التشبيه، بما هو صانع للمجازية غير الكثيفة.ج- استثمار بعض العناصر اللغوية المنضوية تحت الوعي (الرومانسي) الوجداني بامتياز؛ مما يعيد التذكير بإنسانية التجربة الإبداعية الشعرية، طلبًا لاستجماع صورة البراءة والحسن الفطري، والخير المتدفق، والأمل الشفيف.د- توظيف عدد من المفردات التي كانت متداولةً على أرض الميدان، في بنية القصائد المختلفة، ولا سيما ألفاظ معجم الرحيل.صحيح أن هذا النمط من الشعرية التحريضية، والتثويرية كان هو الشائع على ما ظهر من المثالين اللذين وقفت أمامهما الورقة هنا، لكنه- ومن جهة أخرى- لم يكن النمط الوحيد من الشعرية التي ظهرت تجلياتها في ميدان التحرير، وبتأثير من الحالة التي سكنت جغرافيته، ذلك أنه ظهر نمط آخر أخلص لمفهوم الشعر الذي يفرض قدرًا من التأمل، ومعاودة القراءة،تخف فيه ملامح بلاغة التثوير، لحساب تعالي علامات بلاغة الأقنعة، وتنامي محددات المجازية الكثيفة المتعالية، وفي هذا السياق تقفز قصيدة تميم البرغوثي عن ثورة 25 يناير؛ لتمثل شاهدًا على هذا النمط من الشعرية الوفية لتقاليد القصيدة التي تقدر دستور الشعر وقوانينه، فظهرت الرمزية عبر مسارات المعجم الشعري، وتنامت الأقنعة عبر توظيف الرمز الحيواني المختار بعناية، وتكاثفت التراكيب المجازية المسكونة بقدر ظاهر من الغموض مقارنةً بالنمط السابق، على الأقل في سطور مفتتح القصيدة.وقد كانت المزاوجة بين مصر وتونس واحدةً من مفاتيح فك شفرة القصيدة؛ لأن تتابع الحدثين على أرض الواقع، هو الذي فرض على المتلقى أن يستقبل القصيدة من بوابة الثورة.يقول البرغثي:ضبعٌ تهاجمُ سِرْبَ غُزلانٍ فَتَهْرُبُ كُلُّهارَسَمَتْ حوافرهُنَّ عَشْرَةَ أفرعٍ في الأرضِ عشوائيةًوالضبعُ تعرفُ أنه لا وقتَ كي تحتارَ فيما بينَهاتختارُ واحدةً لتقتلًهاحياةُ غزالةٍ ومماتُها أمرٌ يُبَتُّ بِسُرْعَةٍلا تعرف الضبعُ الغزالةَ، لا عداوةَ، لا تنافُسَربما لو كان يومًا غيرَ هذا اختارتِ الأُخرىوحتى بعد مقتلِها، سَتَعْجَزُ أن تقولَ الضبعُ إن سُئِلَتْلِمَ اختارَت غَزَالَتَها التي قَتلَتْوهذه الثنائية القائمة على استحضار الضبع في مواجهة الغزالة أمر دال في سياق قراءة مفاتيح النص، ولا سيما إذ ما عرفنا أن الضبع، في تقاليد الحيوان في الثقافة العربية رمز ظاهر الدلالة على القبح والدمامة، في مواجهة الغزالة بما هي رمز ظاهر الدلالة على الحسن والجمال.وتصميم معمار الجزء الأول من القصيدة وفق قيمة القصة بما يسكنها من فتنة الحكي، وسحر السرد، أمر مهم في تأمل حكاية الوطن الجميل الذي يتعرض لعدوان القبح! يجلب التعاطف معه بما أن الإنسان مفطور على الانجذاب للحكي.وفي مقطع أخير يقف تميم البرغوثي أمام الحكمة والحقيقة التي يمكن أن تستخلص من الحكاية التي تقدمت في مفتتح القصيدة، يقول الشاعر:ولكنِّي أظنُ الضبعَ تَعلَمُ جَيِّدًا، بِتَوازُناتِ الخَوفِأنَّ السِّربَ، كَلَّ السِّربِ تجاهَ الرَّكْضِ عَاشَ جَمِيعُهُوَأَظُنُّ أَنَّ السِّرْبَ يَدري بِاحتِمالِ نَجَاتِهِوأن كلَّ غَزَالةٍ تَخْشَى تَخَاذُلَ أُخْتِها لو أَنَّها فَعَلَتْفَتَخْذِلُ أُخْتَهاوالأختُ خَائِفَةٌ هِيَ الأُخْرَى فَتُسْلِمُ للرَّدَى تِلكَ التِي خَذَلَتْفَتَحيا كُلُّ وَاحِدَةٍ بِمُفْرَدِهاوَتُقْتَلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِمُفْرَدِهاوخضوعًا لتوجسات الموقف، وما يفجره من الاحتمالات، وما ينسرب بتأثير من ذلك إلى نفوس الثائرين، يركن الشاعر إلى تراكيب الاستدراك، فيقول:وَلَكن، رُبَّما، وَلِرَحْمَةِ الله الكريمِ عِبَادَهُ،هَجَمَتْ غُزَيِّلَةٌ عَلى ضَبْعٍ بِلا تَفْكِيرْوَتَتَابَعَتْ مِنْ بَعدِها الغُزْلانُ، مِثْلَ تَتَابُعِ الأَمْطارِ فِى وِدْيَانِهافي هذه اللحظاتِ تَعْلَمُ أن حُسْنا ما عَظِيمًا سَوفَ يَأتيربما وَلَدٌ يُكَلِّمُ أَهْلَهُ في المَهْدِ أو يَتَنَفَّسُ الصُبْحُ الذي في سُورَةِ التَّكْويرْلا أقصدُ التشبيهَ أو سَبْكَ المَجَازِ، ولا أُشِيرُ لِثَورَةٍ عَبْرَ البلادِ،فَقَطْ أريدُ القَوْلَ والتَّذْكِيرْهذا الكلامُ حَقِيقَةٌ عِلْمِيَّةٌ يا أَهْلَنَاالضبعُ أَضْعَفُ من فَرَائِسِها،وَأخْوَفُ مِنْهُمو بِكَثِيرْ...وقارئ هذا النص يلمح اعتماده تقنية التنوير في نهاية القصيدة، ويلمح ميل النص مع ختامه نحو شفافية التصريح، ويرى ظاهرًا استثمار تقنية التناص، أو استحضار بنية من النصوص أخرى حاكمة على السياق الثقافي المصري، يغازل بها عنصري الوطن (النصارى/ والمسلمين) في:ربما وَلَدٌ يُكَلِّمُ أَهْلَهُ في المَهْدِ (في رمزية إشارية إلى عيسى عليه السلام)أو يَتَنَفَّسُ الصُبْحُ الذي في سُورَةِ التَّكْويرْ (في رمزية إشارية إلى القدرة الربانية في التصوير القرآني)وهي التقنية التي اتفق الثلاثة الشعراء على توظيفها في القصائد الثلاث هنا، بما سكن الوعي المصري العام لتأثير النص الحكيم، في توجيه الرأي العام.ثمَّة روح من التوجس والتوتر والقلق، وهواجس المخاوف من اجتياح الضبع وتفشي المقابح في مطلع القصيدة.ولكنه سرعان ما يتبدل ليحل محله روح من اليقين الجارف في قدرة المحاسن على الانتصار، وتطهير الأرض والوطن، عندما تعترف القصيدة مقررة:هَجَمَتْ غُزَيِّلَةٌ عَلى ضَبْعٍ بِلا تَفْكِيرْوَتَتَابَعَتْ مِنْ بَعدِها الغُزْلانُ، مِثْلَ تَتَابُعِ الأَمْطارِ فِي وِدْيَانِهاإن صوتًا جليًّا يقرر أن الثورة مسكونة بروح خضرة باعثة على الحياة، مطهرة للوجود، وهو ما ينطق به تتابع الأمطار، في الوديان، تمسكه وتنميه!.(5)دفء الميدان وحميمية الوجدانملامح شعرية العامية في الميدانلم يكن من الممكن أن يكون صوت الفصحى بما عُهِد عنه من وقار هو صاحب الحضور المنفرد، أو حتى المتقدم على ساحة إبداعات الميدان، ذلك أن مطالب الجماهيرية، وتتابع الأنفاس الثائرة يلائمها نمط من النصوص تتشكل من معجم وتراكيب عامية.واعتقادي أن ذلك الحضور مبعثه المجموعة، وربما يجملها طبيعة اللحظة الثورية، وطبيعة جغرافية الموقف، وطبيعة التنوع الجماهيري الذي يشكل خريطة الثوار، وإرادة تحقيق الانسجام بين فئات الثوار جميعًا، فضلاً عن طبيعة المجهود الأدنى المصاحب لتلقي إبداعات اللغة العامية، ولطبيعة الإلف المصاحب لها بحكم توافر استعمالها، وبما يجعلها خالقة للواقعية.وفي هذا السياق تقدر الورقة صعوبات متكاثرة تتعلق بحجم ما أبدعته قرائح شعراء العامية في الميدان، ومن هنا فإن الاختيار، في هذه اللحظة يُعدُّ مطلبًا لا اختيار فيه.ومما كان مكتوبًا على بعض اللافتات أجزاء من قصيدة شاعر العامية محمد جودة: (هتتحرر)، يقول في بعض مقاطعها:وتقف الكلمة في الميدانوتضرب وسط ضرب النارهتتحرر!وادينا كلنا جيناوحبينا وصليناوناجيناولسة الحلم في قلوبنا نحررهاوبإيديناهتتحرروأتمنى تكون بالكلمة مش بالسيفصحيح اليأس أحيانًابيندهنايا ناس العتمة مجنونةلكن بالصدق هنكملما دام الكلمة مسنونةهتقطع في ظلام الليلوتحرق قلبه جيل ورا جيلفي هذا المقطع تتبدى المشاركة الفعالة المحركة لثورة الميدان قبل أن تؤتي ثمرتها، بالتنحي، وهو نص أو مقطع مكتنز بالتفاؤل واليقين، مفعم بالتحدي، مؤمن بحتمية النصر، مسكون بالاعتقاد الجازم في قدرة الكلمة على صناعة التغيير، فضلاً عما يسعى إليه من تثبيت الأقدام في الميدان:ونملا الدنيا بالأشعاروتقف الكلمه في الميدانوتضرب وسط ضرب النارهيفضـل صبـرنا يكبرونشوف مين اللي هيسلِّمهــنــتــكـلــمهــنــتــكــلـمفي هذا الصوت الذي التحم، وأسهم في تشكيل عاطفة الميدان، تبدو الأفكار الحضارية التي سكنت وعي الميدان حاضرة جدًّا، وهي أفكار السلمية، والأمل، والتفاؤل، والإيمان بقيمة الكلمة، وقدرتها على تحقيق آمال الثوار.ومن جانب ثانٍ فإن عشق الوطن كان متغلغلاً في وجدان الثوار، يرون فيه قدرًا واجب التسليم له.ولعل قصيدة نصر الدين ناجي (إزاي) التي غدت واحدةً من أشهر أغاريد ثورة 25 يناير، ربما بسبب من غنائها في المقام الأول، مثال ظاهر على ما نقرره.في القصيدة صوت مسكون بحب نبيل، يخلق ألمًا مبرّحًا لصاحبه، لكنه لا يسعه إلا أن يواصله بسبب من نبل المحبوب، وحُسنه، ومنزلته، ورمزيته.والعاشق في تجربة عشقه طامح نحو استعادة رقي محبوبته التي هي أهل له بامتياز.والنص ناطق بعذابات العاشق، ولذاته معًا، يقول نصر الدين ناجي في (إزاي):إزاي ترضيلي حبيبتيأتمعشق في إسمك وانتيعماله تزيدي في حيرتيومنتيش حاسة بطيبتي إزايولا صدقي في حبك شافعإزاي أنا رافع راسكوانتي بتحني في راسي إزايويسوق النص في لغة شاعرية معتمدة ما يشبه تقنية النكوص والارتداد، واسترجاع التاريخ المطعم بمجموعة من التراكيب المرسومة بريشة من كلمات وجدانية (رومانسية) تشير إلى الآلام والعذابات المتولدة من المفارقة بين الحب، والجزاء الذي يجنيه بسبب من هذا الحب، يقول الشاعر:أنا أقدم شارع فيكأنا طفل اتعلق بيكويقول:أنا لو عاشقك متخيركان قلبي زمانه اتغيروحياتك لفضل أغير فيك لحد ما ترضى عليَّويقدم الشاعر في النص ملامح عشقه، ودلائل حبه؛ فيقول:وأنا عشت حياتي بحالها علشان ملمحش في عينك خوفوفي بحرك ولا في بركإزاي أحميلك ضهركوأنا ضهرى في آخر الليل دايمًا بيبات محني ومكشوففي هذا النص قائمة بتهم الاستبداد الذي خمش وجه المحبوبة الجميل، وترك ندوبًا أحالته نموذجًا قبيحًا.وفي هذا النص رفض صارخ للخوف الذي سكن قلب المحبوبة، وفيه مطاردة لحرقة ظهرها، وتوق جارف لصيانتها، لأنها أنبل ما تكون، وأعرق ما تكون، وأجمل ما تكون، وأعف ما تكون.(6)شعارات ميدان التحريرنحو جنس أدبي لم يُكتشفربما تكون مغامرة نقدية أن ينظر إلى ما أبدعته عقول الثوار في ميدان التحرير من شعارات على أنه (جنس أدبي)، أو على أنه مشروع جنس أدبي يتخلق في رحم نظرية الأدب.وبعيدًا عما يمكن أن تقود إليه هذه المغامرة، فثمَّة اتفاق على السهمة التي قامت بها شعارات الميدان في تحقيق آمال الثورة، وترسيخ مفاهيمها.وليس مبالغة إن قررت أن شعارات ميدان التحرير مثلت خزينة للحكمة والوعي، وعكست مجموعة من الدلالات، وقامت بعدد من الوظائف الثورية.لقد استطاعت شعارات الميدان أن ترعى وظيفة حضارية تمثلت مفرداتها فيما يلي: أ‌- الوعي الجمعي بكليات الأمور، والمطالب، والمقاصد، وهو بعض ما نطقت به مثل الشعارات التالية:- الشعب يريد إسقاط النظام.- ثورة ثورة حتى النصر॥ ثورة في كل شوارع مصر.- الشعب خلاص أسقط النظام.- لا مبارك ولا سليمان.. دول عملاء الأمريكان.- تغيير.. حرية.. عدالة اجتماعية.كما قامت الشعارات لتعكس المنظومة الأخلاقية الراقية لجموع الثائرين، وهو ملمح حضاري يصدر ما سكن في الضمير الثقافي المصري من آثار الأخلاق الإسلامية، في مثل:- سلمية.. سلمية- مصر يا أم ولادك أهُم.. دول علشانك شالوا الهم.- إحنا مين إحنا مين.. إحنا كل المصريين.- الجيش والشعب إيد واحدة.- يا جمال قول لأبوك الشعب المصري بيكرهوك.هذه الملامح الحانية على أفكار الوحدة، والسلام الاجتماعي، ورفض الاستبداد، هي بعض ما سكن هذه الشعارات، وهي ما حرَّك جموع الثائرين.وعلى طريقة التأصيل لهذا الجنس الأدبي المقترح يرجى تأمل ما استطاعه من توظيف عدد من الملامح اللسانية والبلاغية من مثل:أ‌- استثمار تقنية السجع في تثوير اللغة، ودعم بلاغة الرفض، وبلاغة التحريض، وبلاغة العصيان.ب- كثافة استعمال أصوات المد واللين، بما هي مخزن للقمم الإسماعية المرتفعة، المواءمة لطبيعة الميدان.جـ- كثافة استعمال الأصوات المجهورة والانفجارية والتكرارية والصفيرية للغرض نفسه.د‌- ظهور مجموعة من التقنيات الطريفة من مثل استثمار الفكاهة في مثل:- ارحل يعني إمشي، ولاَّ مبتفهمشي!لقد كان ميدان التحرير أنموذجًا مسكونًا بالإبداع، فجَّر طاقة إبداعية ظلت حبيسة وكامنة في العقل المصري، تتهيأ، وتستجمع خيوطها لتنطلق خادمة هذه الثورة النبيلة الفارقة في تاريخ مصر اليوم.خاتمةوبعد فلقد أمكن من خلال تأمل حالة ميدان التحرير على المستوى الإبداعي أن نقف أمام مجموعة من العلامات المائزة لما أنتجته الثورة على أرض الميدان، وهو ما يمكن إجماله فيما يلي:أولاً: التعاطي الأولي مع أحداث الثورة؛ باستحضار النصوص التي أنتجت في مراحل تاريخية سابقة، لتكون أغنيات الميدان.ثانيًا: تنوع مخرجات الحالة الإبداعية للميدان، لتغطي مساحةً واسعةً تطول النصوص الشعرية الفصيحة والعامية معًا، والنصوص النثرية فيما سمته الورقة بالشعارات.ثالثًا: اتفقت النصوص الشعرية جميعًا (في مستوييها اللغويين) على استثمار عددٍ من التقنيات الفنية، ولا سيما التناص مع نصوص من المرجعية الدينية، لأغراض منح الشرعية لفعل الثورة، ولأغراض خادمة للمتلقين.رابعًا: اتفقت النصوص الشعرية جميعًا على استعمال معجم شعري مائز ذي ملامح معينة خادمة للفكرة الثورية، ولا سيما في بعدها الإنساني (الوجداني) ذي الخصائص الرومانسية الجزئية.خامسًا: الإلماع إلى حاجة الشعار إلى التأصيل النظري بما يجعل منه جنسًا أدبيًّا مكتنزًا.