خبر

من أخبار الرابطة


تعقد رابطة أدباء الحرية اللقاء الشهرى لمارس 2013، بتأبين الشاعرين الكبيرين د. جابر قميحه وصلاح جلال بمقر نقابة العلميين بجوار سينما ديانا من شارع عماد الدين في تمام الساعة السادسة مساء يوم الجمعه الموافق 29/3/2013

يسعدنا تشريفكم

الخميس، 15 مارس 2012

الأدب في حماية الأخلاق - ندوة ثقافية

الأدب في حماية الأخلاق

علي محمد الغريب

 * د. خليل أبو ذياب: الفصل بين الأدب والأخلاق كالفصل بين الروح والجسد

* د. حسين علي محمد: عنترة بطل أخلاقي قبل أن يكون بطلاً يصرع الأعداء
* الشاعر الحناحنة: الأديب المسلم قادر على المزاوجة بين الأدب والأخلاق

العلاقة بين الأخلاق والأدب علاقة وثيقة؛ لأنَّ الأدب إنما هو تعبير عن المجتمع، وعن قضاياه، وهو محاولة الإفادة من كل ما يتصل بهذه الحياة والتعبير عنها بصورة أدبية مناسبة، وليس هناك ما يفصل بين الأدب وبين الحياة بشكل عام؛ لأنَّ الأدب هو صورة جميلة أو مجملة لهذه الحياة التي نمارسها بشكل أو بآخر.. كانت هذه المعاني وغيرها الكثير مما أكد عليه ضيوف الندوة التي أقامها موقع "لها أون لاين"، حول الأدب ودوره في حماية الأخلاق. فماذا قالوا؟

روح وجسد

يقول الدكتور خليل أبوذياب، الناقد الفلسطيني المعروف: "إذا رجعنا  إلى طبيعة الأدب فإننا نجده إنما لم يوجد إلا من خلال معطيات أو منجزات، ومن هذه المعطيات الأساسية في الحياة: الأخلاق؛ لأنَّ الأخلاق من قوام المجتمع وعماده، ولا يمكن أن يستقيم أي مجتمع بدون أخلاق، حتى إذا رجعنا إلى العصور الغابرة ـ الجاهلية وغير الجاهلية ـ فإننا نجد أن الأدب يحرص حرصاً بالغاً على تسجيل وتصوير كل الجوانب المختلفة التي ترتبط بهذه الحياة.
وبقدر مساهمة هذا الأدب في التعبير عن القضايا الاجتماعية والأخلاقية وتنمية هذه الأخلاق ومحاولة التعبير عنها، وإبرازها للمجتمع؛ بقدر ما تكون لهذا الأدب أهميته وقيمته.
والذي يحاول أن يفصل بين الأدب والأخلاق كمن يحاول أن يفصل بين الجسم والروح؛ لأنه لا يوجد أدب بدون أخلاق، ولا توجد أخلاق بدون أدب، كما لا توجد الروح بدون الجسد.
ومهمة الأدباء في هذه الحالة تكمن في دورهم في إرساء هذه الأخلاق وإبرازها للمجتمع حتى يفيد الناس منها؛ لأنه إذا لم يفعل الأدباء هذا الأمر؛ فلا قيمة للأدب وسيظل معزولاً ومنشغلاً بأموره الخاصة، وبالتالي لا يمكن أن يؤدي رسالته المهمة.

نماذج

ويواصل د. أبوذياب توضيحه لعلاقة الأدب بالأخلاق من خلال ضرب الأمثلة والشواهد على ذلك، فيقول: وإذا أردنا أن نضرب أمثلة لهذا الأمر فإننا نجد بعض الشعراء الذين وصفهم القرآن في قوله تعالى: { وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} (الشعراء 224ـ 227). هنا تناولت الآيات قسمين من الشعراء، ولكن هل هذا يعني أنَّ هؤلاء الشعراء هم الوحيدون الذين عليهم هذه المهمة؟ وهل هم الذين ينقسمون إلى قسمين؛ قسم أتباع الشياطين، وأعوان الشياطين، وقسم أتباع الرحمن وأعوان الرحمن؟ لا.. الأدب كله ينطبق عليه ما ينطبق على هؤلاء الشعراء.. فمثلاً تجد "أبا العلاء المعري" كنموذج من هؤلاء الأدباء الذين حرصوا على ترسية الأخلاق وتنقيتها وتنظيمها وتوجيه الناس إليها، فنجده في "اللزوميات" لم يترك طائفة من طوائف المجتمع إلا قد سلقها بألسنة حداد وعرى عيوبها وكشف مساوئها؛ لأنَّه كان يهدف من وراء ذلك إلى ترسية الأخلاق الحميدة، ولم يكن يستهين بهؤلاء الذين ينتمون إلى هذه الطبقات، وإنما هدفه الأساس هو توجيه الناس إلى الطريق الصحيحة وإلى ممارسة الأخلاق القويمة، وإلى الالتزام بمنهاج الإسلام في توجيه الأخلاق.

الفن للحياة

أمَّا الشاعر محمد شلال الحناحنة؛ فقد تطرَّق إلى قضية: هل الفن للفن أم أنه للحياة؟ فيقول: برز بعض الكتاب وقالوا إنَّ الفن للفن وليس للحياة، يعني أنَّك عندما تقرأ قصيدة يجب ألا تلتفت لأي شيء آخر غير الجمال والمتعة الفنية التي تحفل بهما، أما نحن في الأدب الإسلامي فننطلق من أنَّ الفن والأدب  للحياة والأخلاق، ونلتزم التصور الإسلامي فيما يصدر عنا من أدب أو إبداع، وأريد هنا أن أفرِّق بين الالتزام والإلزام، فالإلزام هو ما وُجد في الفكر والأدب الشيوعي، حيث يلزم الأدباء بفكر معين لا يقيم وزناً للأخلاق والقيم، أمَّا الالتزام الإسلامي فهو ينبع من هذا الدين. والأخلاق الحسنة والصدق والحث عليهما كان موجوداً حتى عند الشعراء الجاهليين، فهذا هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عن زهير بن أبي سلمى: "إنَّه لا يعاضل ولا يمدح الرجل إلا بما فيه". فالصدق إذن من الأخلاق المعروفة عند الشعراء الجاهليين، وهم أئمة الفن الشعري. في المقابل لو نظرنا إلى ما يطرح من أدب على ساحتنا المعاصرة نجده ينقسم إلى قسمين: الأول: يبني ويدعو إلى مكارم الأخلاق، والثاني: ـ وهو كثير ـ يهدم الأخلاق ولا يقيم وزناً للقيم، ويزعجنا بضجيجه في وسائل الإعلام المختلفة، كالصحافة والإذاعات والمحطات الفضائية والإنترنت وغيرها.

عنترة بطل أخلاقي

ويعرض الشاعر والناقد الدكتور حسين علي محمَّد نظرته القديمة لعلاقة الأدب بالأخلاق، والتي يعتبرها من المسلَّمات، فيقول: الأدب في نظري ـ ليس من الآن وإنما في الشعرينيات من عمري ـ هو نبت اجتماعي لهذا المجتمع، وبقدر ما يكون الإنسان مربى على القيم الفاضلة والأخلاق السمحة، بقدر ما يظهر ذلك في إبداعه، فالشعراء الجاهليون  نلمس في شعرهم ذلك كما قال الأستاذ الحناحنة؛ لأنَّ عندهم شيئا من الأخلاق الحميدة فطرياً، فعنترة بن شداد بطل خلقي قبل أن يكون بطلاً  يصرع الأعداء، فهو يقول ـ بأخلاقه الجاهلية ـ بأنه يزور زوجة جاره حينما يكون زوجها موجوداً، أمَّا حينما يسافر أو يخرج مثل الناس التي تتغرَّب لا يزورها، فيقول:
أغشى فتـــاة الحي عنـــد حليلها  
وإذا غزا في الحرب لا أغشاهـا
وأغضَّ طرفي ما بدت لي جارتي         
حــــــتى يواري جـــارتي مأواها
إني امــرؤ سمح الخليقة ماجــــد 
لا أتبع النفـــس اللجــــوج هواها
وهذه بطولة خلفية مرتبطة بالفطرة، وحتى الشعراء الصعاليك نجدهم يبذلون ويذودون بأنفسهم وأرواحهم من أجل أصدقائهم، فهذا عروة بن الورد يقول:
أقسم جسمي في جسوم كثيرة               
وأحسو  قراح الماء والماء بارد
فأنا أرى أنَّ الأدب مرتبط بالحياة، ومرتبط بالمجتمع، وهناك عدة نظرات للأدب، هناك ناس ينظرون لجمالية الأدب، ومنهم الأستاذ "رشاد رشدي" الذي يقول: "أنا لا يهمني مضمونه بقدر ما تهمني فنيته وجمالياته". لكنني أرى عكس ذلك، وهذا ما أثبته في مقالاتي، بل ورسالتي في الماجستير والدكتوراه طبقت عليهما هذا، ولذلك قال عنها الدكتور "طه وادي": هذه ليست مناقشة رسالة، إنما رجل له قضية.
 وأنا أرى أنَّ الأدب نبت اجتماعي، وبقدر ما يشيع في المجتمع من دين سنرى فيه دين، وبقدر ما يشيع من تفلت وانحلال سنرى نصوصاً مليئة بالتفلت والانحلال، وإذا كان الملاحدة يلزمون ويسمون نظريتهم الشيوعية نظرية "الانعكاس"، فلماذا لا نلتزم نحن الإسلاميين بنظرية التصاق الأدب والواقع؟ فما نراه من زيغ في الأدب هو أمر طبيعي؛ لزيغ موجود في المجتمع.. والتربية ذات أثر كبير، فالأديب الذي ربي فيه الحس المؤمن ينعكس ذلك بشكل مباشر وأكيد على إنتاجه.
وبعد التركيز على مسألة التربية، أركز على أنَّه يجب أن يكون هناك أدب أولاً، ما تأتي لي بنص رديء وتقول إن هذا إبداع! نريده أديباً مثلما نزار قباني، ولكن إسلامياً! والحقيقة نحن لدينا شعراء كثيرون في العالم الإسلامي ولله الحمد، ولدينا قصاصون، و"علي أحمد باكثير" كان مع "نجيب محفوظ" كفرسي رهان في المسابقات الأدبية السنوية، هذا يفوز بالمركز الأول هذا العام، والآخر قد يسبقه في العام القادم، وعندنا "نجيب الكيلاني" ـ رحمه الله ـ صاحب فنية عالية جداً، والدكتور "صابر عبدالدايم" شاعر كبير و"محمد الرباوي" شاعر كبير أيضاً من المغرب، وغيرهم.

أدب الفراش

لكن ماذا قال الأدباء عمَّن يتعرون من الأخلاق تماماً في كتاباتهم بحجة تعرية الجوانب السلبية، وكيف يتحقق التوازن فلا يقع الأدب في المباشرة، ولا يجنح إلى الإسراف في تزيين الشر؟
الدكتور حسين علي محمد: هذه ملاحظة مهمة، والذين هاجموا الرواية الأولى للدكتور "عبدالله العريني" هاجموها لأنَّها ليس فيها فراش، بينما هناك من الأدباء من ملأ نصَّه بمشاهد الفراش والجنس، دون داع أحياناً، وأتصور أنَّ الأديب الناجح لو أراد أن يقدم هذا النموذج المنحرف، يمكن أن يقدمه بلمسات لطيفة، كما في قصة يوسف عليه السلام، لكن معظم الذين يكتبون الآن يُحسنُون الفاحشة. ومن الممكن أن تكون الرواية واقعية وتلمس الأشياء لمساً يبين الانحراف دون أن تغرق في تصويره إغراقاً جمالياً، قد يشد القارئ أو المتلقي ويبعده عن الهدف الرئيس. أمَّا الحداثيون فإنهم يقصدون إلى ذلك قصداً!

نموذج للفنية العالية

ويعرض لنا الشاعر الحناحنة أحد النماذج الناجحة التي حققت هذا التوازن، فيقول: أنا سأذكر لكم نموذجاً للفنية العالية والمعالجة الإيجابية، في مجموعة قصص تلقيتها حديثاً من كاتب فلسطيني شاب اسمه "نعيم الغول" واسم مجموعته "حالة موت" في هذه المجموعة لمست التوازن المطلوب بين الفن والأخلاق، وقد كتب الأديب "محمد الشنطي" مقدمة جميلة لهذه المجموعة احتفاءً بها.
كذلك رواية "الشارد" لـ "عبدالله عيسى السلامة"، تجدها مفعمة بالفنية والنضج، وقد كتب عنها الأستاذ "محمد الحسناوي" في مجلة "المجتمع". وفي اعتقادي أنَّ الأديب المسلم قادر أن يوازن بين الفنية وبين الفكر الذي يطرحه.

الواقع والمثال

ويرى الدكتور خليل أبوذياب أنَّه ليس هناك مجتمع مثالي مئة بالمئة، فيقول: قضية المزاوجة بين الواقع وبين المثال من القضايا المهمة التي تبرز في الأدب الإسلامي بشكل عام؛ وذلك لأنَّها تثير حساسية حقيقية تجاه هؤلاء الأدباء عندما يقيسون أنفسهم بغيرهم من الأدباء الآخرين الذين يقولون ويضيفون كما يرون دون ضابط.
والأدب في هذه الحالة ينحو المنحى الصريح أو المكشوف الذي يعتمد على الواقع ويدعي أصحابه أنهم إنما يسجلون الواقع بحذافيره، ولا يضيفون ولا يتدخلون، ويقولون إنَّ هذا المجتمع هكذا: جنس، وفساد، وعري.
هذه القضايا الأولى بها الأدب الإسلامي، وعلى الأدب الإسلامي ألا يخضع لمثل هذه المقولات الجاهزة، التي تخرج عن الواقعيين بحجة واقعيتها أو ما شابه.
وليس هنا مجتمع مثالي مئة بالمئة كما قلت، ولم يتحقق المجتمع المثالي العظيم إلا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، لكن بعد ذلك بدأت الأمور تختلف، نتيجة التغيرات الاجتماعية والزمنية والفكرية، وغير ذلك على طول تاريخ الأمة الإسلامية.

دور الأديب المسلم

إذن ما دور الأدب المسلم في هذه الحالة؟
د خليل: دوره أن يحرص على التقاط هذه المفاسد وهذه المساوئ بدقة وبحذق، بحيث لا يغفل الواقع الذي تعيش فيه، ولا يسرف في وصف هذه الجوانب السلبية، وأن يحسب حساباً للمتلقين على اختلاف شرائحهم وأعمارهم، بشرط ألا يغلب على أدائه السطحية والمباشرة التي لا تكون قادرة على طمس الصورة السلبية.
والقرآن الكريم تعرَّض لهذه الصورة في سورة يوسف عليه السلام، وعلى الرغم من وجود هذا المشهد الهائل، لكنه لم يكن على هذا النحو من الإثارة والتشجيع {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا..} تقرأ هذه الآية وتعبر عليها عبوراً سريعاً لا تختزنه الذاكرة، لكن بعد ذلك الذي تختزنه الذاكرة هو عندما عرضت المحاكمة الأخيرة، نرى هؤلاء النساء يعترفن ويقلن " مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ " وقالت امرأة العزيز: {الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}.
هذه هي الأمانة التي يجب على الأدباء أن يلتزموا بها ويؤدوها على وجهها الصحيح، وأن يكونوا واعين لما سيترتب على كتابتهم من توجيه وتأثير في الأخلاق.
 عن موقع لها أون لاين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق