الأدب القيمي في رحاب رابطة أدباء الحرية
(أفكار ونماذج من وحي لقاءات الرابطة)
خالد جوده
الأدب القيمي وفكرة الخروج من المأزق:
أهم ما يميز النصوص الأدبية هو قدرتها علي تحقيق التواصل
مع القارئ ويعتمد هذا بصفة رئيسة علي ما يضمه الأثر الأدبي من جوانب فنية وموضوعية، وبداية أود الإشارة إلي ارتباط النص الوثيق بشخصية كاتبه، ولدي التناول النقدي لا
يمكن تجاهل أثر التجارب الذاتية للأديب في إثراء عمله الإبداعي، فالأديب يصف الواقع
فنيا ، ويقدم سبل الخلاص من جهامته وصعوبته، ولا نفصل هنا بين المبدع ونصه كشان
بعض المذاهب النقدية، فهناك علاقة محكومة بضوابطها بحيث يمكن للأديب رفع الواقع المعاش
إلي مستواه الفني معتمدا في ذلك علي مخزونه الخاص القيمي والتراثي والتربوي
والبيئي، وكلما كانت موضوعاته متصلة بقيم موضوعية وإحساس موفق، كلما كان أدبه
معبرا عن لحظات متوترة وساخنة يتم إلتقاطها بعين الكاتب الطوافة والتي تري كل شيء
بحالة اندهاش وتساؤل دائم، أو كما قيل أن الأفكار متاحة للجميع، لكن الفن هم
تجميع حقائق الحياة المبعثرة وتقديمها للقارئ في ثوبها الفني لإدهاشه باكتشاف تلك
العلاقات الجديدة في الواقع، وهنا نشير نحو الأدب القيمي أي الذي يقتني القيم،
ويدعمها بشكل فني، حيث أن للأدب وظيفته
في الحياة الاجتماعية من حيث الكشف والشهادة عن كل القضايا المتفاعلة في الوجود
الحياتي، وظيفتة الإدانة والتبشير بما هو أفضل، والأدب القيمي يشكل هذا الاتجاه
ويدعمه بقوة . يقول الناثر نزار قباني : "الأدب نطلب منه أن يكون صديقنا ،
وشريكنا ، والناطق الرسمي باسم أفراحنا وأحزاننا " ، إشكالية تنشأ أمام في هذا الشأن بحيث يجب
الموازنة بين الموضوع والأسلوب الفني التي يتم به التعبير عن الموضوع ، والوسائط
الفنية لدي الأديب هي أدوات للتعبير عن وجهة نظر أو رؤية مرتجاة من تلك الكتابة،
فالنص لديه لا شك أنه صورة للمجتمع الذي
يحيا فيه، فالمتعة الجمالية ليست هدفا أصيلا للأديب إلا بما يحقق هدفه الأصيل من
طرح الموضوعات الاجتماعية والسياسية، لذلك نجد أن من أبرز قيم التناول القيمي في الأدب
فكرة الخلاص حيث يتم التركيز بصفة
خاصة علي رؤية الأديب لسبل الخلاص وتوظيف تلك الفكرة في التعبير عن قضاياه الفكرية في أدبه ، فعلي الرغم من أن إيجاد الحلول ليست مهمة الأديب والذي لا يمارس
دور الباحث الاجتماعي أو المحقق التاريخي ، إلا أنه يفعل ذلك من طريق آخر من خلال
التأثير علي القارئ ونقله لإطار جديد من التفاعل والتفكير ، ويكون من خلال رسم
واقعي لسبل الخلاص ومناهضة السلبية وانماط القهر المنوعة ، بحيث تبدو لازمة الخلاص واضحة في الأدب القيمي وتعكس
قدر ما عليه الواقع الشرس من مواضعات فاسدة ، وختاما يجب علي الأديب الذي ينتهج
سبل الأدب القيمي أن يراوح بين النواحي الشكلية والموضوعية للتعبير عن أفكاره ، ويبدو أنهما
سببا ونتيجة في الوقت ذاته ، ليمارس الأديب دوره في مواجهة الواقع بكافة أزماته
المنوعه ادبيا علي ساحة الأوراق ، ويشيد بالإرادة الوطنية، والمعاني النبيلة، خاصة في المرحلة المفصلية التي نحياها اليوم من
تاريخ مصرنا الغالية، وما أشد حاجتنا لهذا الأدب.
رابطة أدباء الحرية والأدب القيمى:
تأسست رابطة أدباء الحرية معبره عن هذا المفهوم الذي يجمع بيع فنية الأداء الأدبي وموضوعيته، وعلاقته بقضايا المجتمع، وناقضت بذلك فكرة الفن للفن، ورات ان دربها هو هذا الأدب الذي يقتني القيم بأساليب فنية، فقد سئل احد النقاد في الغرب: لماذا يجب أن نكون أخلاقيين في الفن؟، فأجابه قائلا: لأن ذلك غاية الجمال.
لذلك كان أداء أدباء الرابطة يتراوح بين الوضوح العامر بالإيحاء الشعري البليغ، وبين الصور الشعرية المركبة، والمراوحة كذلك بين الخط البياني، وخط المعاني والمجاز الشعري الكثيف، مع تجارب خاصة حول تمازج الأنواع الأدبية، وبين المطولات الشعرية والومضة الشعرية الخاطفة والمعبرة، والنماذج التي اقدمها من وحي انطباعي الخاص في أفق لقاءات الرابطة العامرة بالفن والفكر، ولعل هذه القطفة من متلقي تكون أكثر تعبيرا عن لقاء الشاعر بالمستمع فيشارك عنصر الإلقاء، ومتعة التلقي الخاصة بالأشعار، في انتاج هذه الانطباعات، هذا من ناحية ومن ناحية أخري اعتبار ان كل تفاعل هو في متنه قراءة فكلنا قراء يا عزيزي، وهذا ما ذكره الناقد د. محمود الربيعي عندما تحدث أن (الناقد ما هو إلا قارئ محترف) لديه خبره بالتقاليد الجمالية، واتصال أعمق بالنصوص الأدبية بحيث يقوم بعملية تجسير بين النص وقارئه، ومن ناحية ثالثة كون الناقد المتميز يمارس ثلاث قراءات الأولي للتذوق لكونه هنا قارئ عادي يتلقي المنتج الأدبي ويتفاعل معه، ولا يمكن بحال إلغاء أثر الذائقة الأدبية لدي عمل (القارئ / الناقد).
نماذج من وحي لقاءات الرابطة:
صدح شعراء الرابطة بقصائد رائعة، عبر لقاءات الرابطة المتعددة، وفي لقاء حاشد للرابطة سجلت:
فبدأ الشاعر عصام بدير.
ثم الشاعر صلاح القصاص (وهو أحد الفائزين
في مسابقة الرابطة) حيث عمد في قصيدته لإلتقاط
لقطة واحدة من واقع مرير، فدارت قصيدته حول عبارة الموت والتي راح ضحيتها أكثر من ألف
شهيد، وهو ينعي علي الظالم ما أقترفت يداه.
أما الشاعر المتألق ياسر أنور الذي وصفه
البعض بشاعر الحداثة الإسلامية، كما تحدث د. حلمي محمد القاعود عن شعره الغنائي، فقدم
شعرا لا يسلم مفاتحه لسامعه بيسر إلا مع استجلاء معاني الأرض/الأم، موازية لمعنى الحقيقة
في ختام القصيدة.
أما الشاعر أحمد شلبي حجازى (وهو أحد الفائزين
في مسابقة الرابطة) فاستهل قصيدته بمعني عصفور الشعر في حس رومانيكي.
أما الشاعر أحمد حمدى والذى قدم قصيدته (شيد جدارك) والتي لها قصة حيث اعتقل بسببها الشاعر في العهد البائد، وهكذا تكون الكلمة
الصادقة مؤرقة للظلم والظالمين، فقد كانت قصيدة تسجيل موقف في لحظة تاريخية هامة، ومن
مفردات القصيدة المعبرة (عار من الفولاز)، ويقترن بها (وشم الذل)، وهى مفردات تدل علي
كون هذا العار متجذر وراسخ ولا يمكن إزالته من صفحات التاريخ، كما دشن في قصيدته جملة
تعبيرات مبتكرة مثال (نخب الفضيحة)، كما تميزت القصيدة بالقدرة علي إلقاء الخيوط ثم
إعادة جمعها من أفاق القصيدة، فمثلا نجد معني أنه (وهُزمت أنت ومَن أثارك)، فمن أصدر
قرار تشييد الجدار مثار من غيره لا يملك قراره، ثم عاد الشاعر قرب ختام القصيدة يقول
(لكنني والكل يعلم واثقًا.. ليس القرار هنا قرارك)، والقصيدة في إجمالها طرقات تشبه
دقات الحروب، وتعلن عن شوق الشعب لإندحار الطاغية.
أما الشاعر أمين عبده فبدأ قصيدته بسؤال (هل يهذى الشعر؟)، والعنوان كاشف لأنه يحمل فورا إلي السامع قضية ما جدوى الكلمات في
واقعنا المتعثر والمؤسف؟!، وبلسان الحيرة عبر الشاعر عن وظيفة الشعر باعتباره (المشكاة
في ليل الخوف)، والقصيدة تدور في المفارقة بين الواقع والمأمول، والقصيدة كما ذكرنا
من أعتابها كشفت ذاتها ولم يكن هناك من مفاجأة سوى بالصور الشعرية المتألقة.
أما الشاعر الكبير محمد يونس فصدح بقصيدته
( معشوقتي) عن حفيدته، وهى قصيدة معبأة بالمشاعر الإنسانية في سلاسة وتدفق الشعر كماء
نمير ينهمر من شلال الشعور، وقد انتزعت آهات الإعجاب، والتصفيق المتواصل للشاعر الذي
وقف محييا معجبيه بتواضع جم.
أما الشاعر ناصر صلاح المتقنع بشخصية راوي
شعره (حرفوش المجذوب)، فقدم قصيدة بدأت بالقياس المنطقي حول قواعد الفساد، فالفساد
والاستبداد عبارة عن وجهين لعملة واحدة، كما أن أغصان الشجرة الخبيثة تنتمي لجذرها
المتعفن، لذلك كان طبيعيا أن أن يلف هؤلاء الفاسدين البشر بالمآسي.
أما الشاعر أحمد حسن، فقدم مطولة شعرية
عن روحانيات رمضان مشبعة بعشق كبير لروحانيات رمضان بلا حدود، بل قدم في صور شعرية
صافية مواقف الناس من رمضان، وأطلق صيحة تحذيرية من عقوق رمضان، وتتسم الصور الشعرية
لدي الشاعر بانها صورة عنقودية، تتركب فيها الصورة الجزيئة داخل الصورة الكلية، بما
يجعل السامع يلهث وراء تراكم الصور الشعرية في مشهدها الجزئى والكلى يتذوق حلاوتها،
بحيث تستحق كل صورة كلية من عناقيد العنب تلك للوقوف أمامها وتأمل مشهدها، والتالي
قطرات بسيطة من بحر هذه القصيدة: (الماء وضأ نفسه فيما تبقى فى فم الصوام من ريق) فالماء
يتطهر بطهر ريق الصائم، تخيلوا هذه الصورة المركبة شديدة الثراء، وصورة أخرى (إنها
عرق التقاة السكرى علي جبين الريح في وجه السماء!!)، وهنا العرق يكون مالحا لكنه اكتسب
مذاقا سكريا جديدا يناسب معناه الجديد الذي اكسبه الشاعر إياه مخالفا خصائصه الثابته،
تلك صورة جزئية عناقت صورة جزئية اخرى باعتبار هذا العرق علي جبين الريح، ثم صورة جزئية
ثالثة باعتبار الريح من ملامح وجه هو السماء، وتشكل الثلاث صور صورة كلية شديدة الحلاوة،
أى إبداع!!، صورة أخرى (وتسلم الأرواح عن أيمانها وشمالها)، وعن أصابع الزوجة في طقس
رمضاني رائق يقول الشاعر (أصابعها تغني في خواتم من حنان)، وهنا استخدم الشاعر تقنية
تراسل الحواس باستعارة حاسة النطق لغير عضو النطق بالغناء وهو اللسان، وبالمثل يقول
(نظراتها من (حرير الحب)، وفي صورة مبتكرة تحدث عن الإعلام الرمضاني بين واقعه المتردي
وما يفترض أن يكون عليه، وانشغال بعض الناس عن الهدف الأصيل للصوم بأن يغرقوا أمام
المسلسلات والبرامج التافهة بالتلفاز في صورة شعرية جديدة تدور حول الشاشات (قد أقاموا
الليل مصطفي العيون علي سجاجيد الزجاج)، ذاك ما استطعت إدراكه من لقطات سريعة في رحلة
لاهثة وراء مطولة الشاعر (رمضان)، والتي تمثل ابتهالا رمضانيا فريدا.
أما الشاعر حسين حسن عارف، فاستعمل تقنية
الحكي في قصيدة حوارية كاشفة، تعددت فيها الأصوات في مشهد تمثيلي، قدم في أركان منه
صفات المعلم والتي هى جميعها قيما أخلاقية راقية.
أما الشاعر خالد الطبلاوى فأثارته قصيدة (معشوقتي) ليقدم قصيدة موازية حول ابنته مريم والتي يعرب فيها عن شوقه الشديد إليها
في ختام القصيدة فيقول (ليت كل الناس مريم)
أما الشاعر هيثم زهدي فجال بالحضور عبر
وجع القصيد في الليل المدجج بالأرق.
أما الشاعر الكبير يوسف أبو القاسم الشريف
فقدم قصيدة تشظي فيها علي نفسه في رحلته بالبحث عن ذاته في زمن التيه.
وكما كانت هناك المطولة الشعرية كانت هناك
الومضة الشعرية البارعة مثلها الشاعر عبد القادر أمين في لقطة ومفارقة وإيضاح وبيان
موجز، حول موت الجسد وموت القلب (وموت القلب قبر ضل عنوانه) في صورة بديعة شديدة الثراء
فالموت نفسه صار هو القبر مجهول الهوية ليصل المعني محمولا علي ختام ومضته الذكية
(فلا تكفى دموع القلب أحزانه).
ثم كان مسك الختام مع الشاعر محمد جوده
في قصيدة ثائرة عمدت لإعلاء قيمة الثورة، كما اشتملت علي تحليل سياسي في ثوب شعري،
ومن الصور الجميلة في القصيدة كما ألتقطها بسرعة من حماسة الشاعر (الدم اللى سال من
الورد)، و لمي الرصاص من صدرونا، بقي أن نشير أنه إذا كان الشاعر أحمد مطر قد قال في
لافته من لافتاته (آن أن تكتب شعرك بالرصاص)، فإن قصائد الشاعر محمد جوده يمكن تصنيفها
تحت مصطلح جديد (القصيدة الرصاص) تتعانق فيها الكلمة مع الذات الشاعرة في إلقاء حماسي
عاصف، ولا يفوتني في هذا المقام أن اذكر ان قصيدة للشاعر عبر موقع اليوتيوب زارها أكثر من ربع مليون زائر.
ومتابعة جديدة في رحاب الأداء القيمي لدباء الرابطة في تدوينة قادمة بإذن الله

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق