يومٌ عالميٌّ لنظافة الأدب
نُـور الجندلي
كما يخصص يوم عالمي للبيئة ونظافتها، وآخر للصّحة ورعايتها، وثالث للشجرة والتشجير، ورابع للمرأة وحقوقها، وخامس للطفولة وبراءتها، لتمتلئ لائحة التقويم السنوي بسلسلة لا تنتهي من النشاطات والحركات التوعوية التي تهدف لإصلاح الأرض وعمارتها- أو هكذا يبدو- فقد خطر لي أن يُخصّص يومٌ عالمي لنظافة الأدب، باعتباره يحتاج إلى كل ما تحتاجه تلك العناوين البراقة، ويضمّ بين دفّتيه مفاتيح تقود لتلبية تلك النداءات والمساهمة في النهوض بالأفكار وتصحيح الخاطئ في السلوك والمعتقدات.
فالأدب هو عنصر فاعل في المجتمع، له وجوده وصوته وتأثّره وتأثيره، وتنضم تحت لوائه شريحة كبيرة من الناس.
مع اعتبار أيضاً أن الأدب من وجهة نظري مقهورٌ مضطهد، محكومٌ عليه بالسجن المؤبد في أفكار بالية، مصادرة حقوقه في الحرّية، والحرّيّة المقصودة هنا هي التي ترتفع وتسمو إلى أعلى ما يمكن من الصفات والخصال الرّفيعة.
أطالبُ بيوم عالمي للأدب النظيف، تتم فيه التوعية إلى مخاطر الأدب الملوّث وأضرارها، والتي تنتقل إلى الناس عبر انفلونزا حادّة، خطرة ومُعدية، تجذبهم في البداية، ثم تلقيهم على فرش المرض ومتاعب القلب وأوبئة الروح زمناً طويلاً، ولا يتعافى من ذاك المرض إلا من كانت داخله رغبة في أن يعود نقياُ، وامتلك حاسّة التمييز العاشرة بين الحقيقة والوهم، والسّراب والواقع.
أنادي بأدبٍ صريحٍ رفيع، لا يجعل من الصراحة مبرراً للوقاحة، ولا يبرر تحت مسمى الواقعية تجسيد الرذيلة وزخرفتها وتزيينها في القلوب عبر الحرف والكلمة، بل أتوق إليه صريحاً مهذّباً، لا يخدش المشاعر النقية، ولا يبتذل الحواس، ولا يستخدم الغريزة مفتاحاً رخيصاً للعبور إلى قلمه، وانتشار صيته بين أصحاب القلوب المريضة.
أفكر بأدب راقٍ محلّق في سماوات الصفاء، يذلل الكلمات في سبيل رسم الجمال، تتربع الأخلاق الرفيعة على عرشه، وتتعانق في سطوره كل أدوات الفضيلة، وقد رسمها على حقيقتها حسناء فاتنة، وميّز النور عن الظلمة، فلم يلبسهما معاً ذات الرداء، ولم يلجأ إلى مراوغة أو خديعة للقارئ، عبر تشكيكٍ في عقيدته، أو مهاجمة بذور الخير داخله.
وأتمنى أن تتلاحم جهود المبدعين في ذلك اليوم، وأن تتحد أهدافهم، بما يعين على التقدم، وتقديم المتميز النافع الذي يسحر الألباب، ولا يسخر من العقول أو يشوه الفطرة، أو يشكك بالإيمان.
لقد انجرفنا طويلاً نحو تيار الغرب، وأعجبنا بما لديه كثيراً لدرجة أننا نسينا جذورنا، وتقولبنا بقالبه، حتى باتت المعاني في قصائد شعرنا غربية، وأسماء الشخصيات في قصصنا غريبة! والأحداث التي تدور في رواياتنا مقتبسة من قيم الغرب وأفكاره، لدرجة أننا وصلنا إلى نقطة عداء بيننا وبين أنفسنا، وبات بعضنا يتبجح تحت مسمى الجرأة، فيتطاول على دينه، أو يطعن بأسمى الأخلاق باعتبارها عادات بالية، ويزين في الوقت ذاته لأبطال من صنع خياله، كانوا ضحية السقوط في محبرته، والانسياب مع حروفه، وتحمل جريرة تذبذب فكره، وتشوه روحه!
لقد وصلنا إلى مرحلة مؤسفة من الانحطاط الأدبي، كما وصلت مجتمعاتنا إلى درجة من انحطاط القيم والأخلاق، حتى إننا لنجد أدب الغرب أكثر تهذيباً وأرقى فكرة من بعض ما يتداوله شباب اليوم بين أيديهم من سموم أفكار عربية. وبالتأكيد لا مجال أبداً للتعميم، فهنالك أقلام كريمة، وهمم سامية، وأعمال متميزة، تستحق البروز والانتشار، وأن يسلط الضوء عليها لتكون قدوة لشباب هذا الجيل والذي تاه ما بين الصحيح والخاطئ، فما عاد يميز بينهما، بل يلفته أكثر الأعمال رواجاً ليصفّق مع المصفقين، ويضم صوته إلى هتافات من يشيدون بحروف لطخت سمعة الأدب، فبات في نظر كثير من الناس من الأعمال المشينة، أو بمعنى أصح ؛ قلة أدب!
ولذلك سأبقى أطمح ليوم فيه تتوحد فيه القلوب، وتجتمع فيه الأقلام المسلمة، لتجدد النية والعزيمة، وتنطلق لتكتب أدباً رفيعاً، تحاربُ فيه التلوث والانحطاط، ولتكون بذلك منارة تضيء في هذا المجال بين باقي الأمم.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق