الكاتبة سميه شاهين قدمت للمكتبة العربية كتابين هامين، هما (نعم أنا حرة)، (مسلمة في الزمن ده)، ضمت فيهما مجموعة من المقالات المصاغة بأسلوب قصصي شيق، وهي تعمل في الأصل مدربة تنمية بشرية، ولها رؤية للحياة ومكانة المرأة في المجتمع، كما أن لها رؤية ثاقبة وقراءة تحليلية حول العديد من ظواهر التربية والحياة والفن والمجتمع والثقافة بصفة عامة، نشرت الكاتبة العديد من كتاباتها في الصحف والدوريات المصرية.
ومن موقع مراجعات كتب انقل لحضراتكم تدوينة رائعة حول كتابها المتميز (مسلمه فى الزمن ده)، والذى سوف نعود له لاحقا بمزيد من التحليل والقراءة بإذن الله
مسلمة فى الزمن ده
تحكي الكاتبة سمية شاهين فى هذا الكتاب مواقف مرت بها ولكنها لم تمر مرور الكرام ، مواقف قد تبدو عادية جداً و لكنها تقف و تحللها مما يجعلها مفيدة لمن يقرأها .
إذن الكتاب عبارة عن فصول ذات موضوعات منفصلة يتراوح عدد صفحات الفصل فيه ما بين 7 و 15 صفحة
إفقد الأمل وستفرج !
فى أول فصل تتحدث عن مسألة التفكير فى الزواج و الخوف من أن وجود زميلة فى العمل جميلة و صغيرة فى السن و طباعها حلوة قد يقلل فرصها فى الزواج، و بدأت تقلق من ذلك، و دخلت فى مرحلة من الأرتباك ثم بدأت تذكر نفسها، بأن لكل إنسان نصيبه الذي يستحيل أن يكون لسواه، و بعد أن حسمت تلك القضية بداخلها ، و هدأت نفسها و أصبحت أكثر تركيزاً فى عملها و دراستها رزقها الله بالإنسان الذى تتمناه و يتمناها هى كما هى .
و هنا أود أن أعلق على جملة كنت أسمعها من أحد الدعاة و لكني لم أكن أفهمها، و هى أن ما تتمناه لن تحصل عليه إلا بعد أن تيأس .
و قد فهمت الآن أن المقصود باليأس هنا ليس سلبياً و لا يتنافى مع الأمل والإيمان بالله ، و إنما هو عين الإيمان بالله ! فالمقصود كما فهمته، هو أن ما تتمناه لن يحصل إلا عندما تسلم الأمر لله فتأخذ بالأسباب، و لكن تدرك أن هذه الأسباب ليست هى بالشئ الذى سيأتى لك بما تتمناه، و إنما هى إرادة الله ( و لكن لابد من الأخذ بالأسباب )، و لذلك يأتى رزقه تعالى من حيث لا تحتسب، و هذا حتى تدرك هذا المعنى تماماً .
والله سبحانه وتعالى عندما يؤخر عنا ما نريد – و كلامى هنا عام و لا يقتصر على الزواج – إنما يفعل ذلك ليعلمنا و يربينا ، أليس ” رب ” العالمين ؟
التحرش وسنينه :
و فى فصل آخر تتناول قضية التحرش و أسبابها ، و تنتقد رأى الكاتب علاء الأسوانى الذى يعتبر أن المجتمع المصرى قد استبدل نظرته المتحضرة للمرأة بنظرة متخلفة متسترة بالدين تعتبر أن المرأة فتنة يجب إخفاؤها ، و هو يستشهد فى ذلك بأن المجتمع المصرى فى السبعينيات و الثمانينات كان يتقبل أن ترتدى المرأة ” المينى جيب ” و ” الميكروجيب ” و ” المايوهات ” ، و مع هذا لم يكن التحرش منتشراً .
يسهب و يستفيض فى شرح ذلك ويغفل الكثير من العوامل التى أشار إليها المتخصصون كأسباب لأنتشار التحرش الجنسى كأنتشار المخدرات ، والبطالة ، و الفقر ، و عدم القدرة على الزواج ، و الإعلانات المستفزة للفقراء و أهالى العشوائيات …إلخ .
و لا أدرى هل هى دعوة إلى العرى أو دفاعاً عنه ؟ ليس من حق أحد أن يجبر أحد على إتيان طاعة و لا ترك معصية ، و ليس من التحضر أعتبار المرأة فتنة يجب إخفاؤها و حبسها لحماية الرجال من شرورها ، إلا أنه ليس من التحضر كذلك تعريتها بحيث تصبح كلأً مستباحاً للأعين .
و هل تقبل المجتمع فى وقت من الأوقات للـ” مينى جيب ” و ” الميكروجيب ” دليل على أنه شئ صحيح ؟
و هل تقبل المجتمع فى وقت من الأوقات للـ” مينى جيب ” و ” الميكروجيب ” دليل على أنه شئ صحيح ؟
بهذا المنطق قد يعود عصر الرقيق فقد كانت تجارة الرقيق مقبولة من الإنسانية فى كثير من المجتمعات و العصور ! أليس لدينا معايير ثابتة نعود إليها لنميز الخبيث من الطيب ؟
الدراما وسنينها :
و تنتقد كذلك بعض صناع السينما الذين لا يركزون فى أفلامهم إلا على كل ما هو سيئ فيخرج المشاهد من أفلامهم و بداخله إحساس أنه لا فائدة ، أليس الواقع به إيجابيات و صور مشرقة إلى جانب السلبيات و الصور القاتمة ؟ فلماذا التركيز على النصف الفارغ فقط من الكوب ؟ لماذا عدم التركيز على الكوب بجزئيه الفارغ و المملوء ؟
ما هى الإنسانية؟
الإنسانية ضعف أم قوة أم مزيج بين هذا و ذاك ؟ تنتقد الكاتبة تركيز صناع الدراما على الضعف ، و لحظات السقوط ، و الأستسلام للغرائز و الشهوات و الضغوط بأعتبارها تمثل الإنسانية .
و هذا لا يعنى أن الإنسانية لا تعنى إلا القوة و لكنها القدرة على التسامى فوق ضعفنا و تهذيب شهواتنا و غرائزنا ، و التغلب على الصعوبات و الضغوط بالإرادة القوية .
و هذا لا يعنى أن الإنسانية لا تعنى إلا القوة و لكنها القدرة على التسامى فوق ضعفنا و تهذيب شهواتنا و غرائزنا ، و التغلب على الصعوبات و الضغوط بالإرادة القوية .
و ما هى الطيبة؟
هناك الكثير من الأفعال التى نلصقها زوراً و بهتاناً بالطيبة كعدم القدرة على قول ” لا ” للآخرين فى الوقت المناسب ، التنازل عن الحقوق ، و السذاجة و عدم القدرة على المواجهة . وعلينا أن نواجه نقاط ضعفنا و نسمى الأشياء بمسمياتها حتى نتمكن من التعامل مع مشاكلنا و نقاط ضعفنا و حتى لا نظل نخدع أنفسنا طيلة عمرنا ، لأن الخاسر الأول و الأكبر من خداع الذات حينئذ هو هذا الإنسان الذى يخدع نفسه .
نظرة خاطئة :
و تشير إلى نظرة البعض إلى المحجبات و المتدينات بأنهن لا يضحكن و لا يستمتعن بالحياة و لا يهتممن بأناقتهن .
كما تتناول نظرة بعض الزوجات إلى أزواجهم المتدينين فتحسب الزوجة أن زوجها المتدين لا يريد الأستمتاع بجمالها ودلالها كغيره من الرجال ، فتهمله مما قد يدفعه إلى محاولة إشباع أحتياجاته بطرق أخرى مشروعة أو غير مشروعة .
و تتطرق إلى مشكلة يعنى منها المسلمون و هى التركيز على النقاط الخلافية ، لماذا لا نركز على المساحات المشتركة و المتفق عليها من الدين و نعذر بعضنا فيما نختلف فيه ؟ ألن يكون ذلك أكثر إفادة للإسلام و أمته و للإنسانية كلها حتى ؟
العيال وسنينهم :
و أعجبنى جداً التصرف المبتكر و الواعى للكاتبة مع أبنها عندما عاقبته على مضايقة أخيه بإلزامه أن يبقى داخل الغرفة لمدة 15 دقيقة ، تسللت إليه دون أن يشعر و وقفت ترقب ماذا يفعل فوجدته يكتب فى ورقة ” لا أحب أمى ” مع أنه لم يكن يستطيع الكتابة بعد ، و كما دخلت إلى الغرفة خرجت منها متسللة ، وجلست تفكر و تراجع نفسها فيما فعلت ، و عندما انتهت الـ15 دقيقة أتى إليها أبنها بالورقة و فى عينيه نظرة تحدٍّ و كأنه يريد أن يضايقها كما ضايقته .
فنظرت فيها طويلاً ، و هو ينظر إليها بأهتمام يرقب رد فعلها ، فإذا بها تحتضنه و تقبله و تقول له : ” برافو عليك يا حبيبى ” ، فيفاجأ الولد و يسألها هل قرأت ما كتبه ، فتجيبه بأنها قرأته و أنها سعيدة جداً لأنه كتب كل الكلمات بشكل صحيح ، و أنها غير مصدقة أنه لا يحبها .
أنفجر الولد فى الضحك و الغيظ فى آن واحد ، و أرتمى فى حضنها ، و قال لها أنه يحبها و لكنه فقط أراد مضايقتها كما ضايقته فنصحته بأن يفعل الصواب و لن يتضايق .
فنظرت فيها طويلاً ، و هو ينظر إليها بأهتمام يرقب رد فعلها ، فإذا بها تحتضنه و تقبله و تقول له : ” برافو عليك يا حبيبى ” ، فيفاجأ الولد و يسألها هل قرأت ما كتبه ، فتجيبه بأنها قرأته و أنها سعيدة جداً لأنه كتب كل الكلمات بشكل صحيح ، و أنها غير مصدقة أنه لا يحبها .
أنفجر الولد فى الضحك و الغيظ فى آن واحد ، و أرتمى فى حضنها ، و قال لها أنه يحبها و لكنه فقط أراد مضايقتها كما ضايقته فنصحته بأن يفعل الصواب و لن يتضايق .
وفاء :
وتختتم كتابها بشكر توجهه إلى أستاذها الجليل الذى تعلمت منه الكثير وهو الشيخ الشعراوى ، ذاكرة بعض ما تعلمته منه. و من أكثر الأشياء التى أعجبتنى فيما ذكرته أن الإسلام يعمل على تحقيق التكافل الأجتماعى عن طريق حث الإنسان على العمل على قدر طاقته لا على قدر حاجته لأن عمل الإنسان على قدر حاجته سيكفى حاجته، لكن سيبقى هناك من يعجز عن يعمل ليسد حاجته ، لذا يعمل الإنسان على قدر طاقته من أجل سد احتياجات ، و بذلك يتحقق التكافل الاجتماعى.
الوفاء هو من المعانى التى يثيرها هذا الفصل ، جرب أن تشكر أحد على معروف قدمه لك أو شيئا علمه إياك مهما كان بسيطاً ، جرب و ستشعر بسعادة كبيرة جداً لسعادة الشخص الآخر الذى شكرته ، جرب و ستشعر أنك قد ارتقيت درجة، بل درجات ، على دَرَج الإنسانية .
الكتاب صادر عن دار البيان للترجمة والتوزيع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق