الحديث عن الشعر من الموضوعات التي طرقها الشعراء بكثرة يبثون به أثر الشعر في وجدانهم وما يمثله في حياتهم ، ورؤيتهم لدوره في الحياة ، ونبدأ بشاعر المهجر الكبير إيليا أبو ماضي عندما قال : عندما أبدع هذا الكون رب العالمينا
ورأى كل الذي فيه جميلا وثمينا
خلق الشاعر كي يخلق للناس عيونا
تبصر الحسن وتهواه حراكا وسكونا
وزمانا ومكانا وشخوصا وشئونا
فارتقى الخلق وكانوا قبله لا يرتقونا
واستمر الحسن في الدنيا ودام الحب فينا أما شاعر الحرية ( أحمد مطر ) فيرى الشعر هو الوطن فغربته في وطنه بلغت من قسوتها أنها غربة وسط الملايين ، ولا يجد من سبيل سوى الشعر يشكو إليه أوجاع غربته : كل ما في بلدتي يملأ قلبي بالكمد بلدتي غربة روح وجسد
غربة من غير حد غربة فيها الملايين وما فيها أحد
غربة موصولة تبدأ في المهد ولا عودة منها … للأبد
شئت أن أغتال موتي فتسلحت بصوتي : أيها الشعر لقد طال الأمد
أهلكتني غربتي ، يا أيها الشعر فكن أنت البلد
نجني من بلدة لا صوت يغشاها
سوى صوت السكوت ! أهلها موتى يخافون المنايا
والقبور انتشرت فيها على شكل بيوت اما الشاعر نزار قباني فتحدث عن الشعر شعرا ونثرا ، بل هو في نثره صاغ أجمل العبارات واقواها حول الشعر ، وهو يعبر في ذلك الأداء عن رؤية فكرية عن وظيفة الشعر ، فيقول عن وجوب جرعة الشعر للعروبة : “ لماذا لا يكون الشعر شجرة يأكل منها الجميع … ثوبا يلبسونه … ولغة مشتركة يتكلمونها .. العالم العربي ، أيها الأصدقاء ، بحاجة إلى جرعة شعر بعد أن جف فمه .. وتخشب قلبه .. إن الشعراء أيها الأصدقاء ، مدعوون لغرس السنابل الخضراء في كل زاوية من زوايا الوطن العربي. “
ويتحدث عن الشعر الواخز والذي لا يحمل القارئ على خمائل الدعة والاسترخاء والمتعة دون فعل ، فيقول : “ قد تكون الرحلة متعبة ، وقد تحرمكم النوم والطمأنينة ، ولكن من قال إن وظيفة الشعر هي ان يحمل لأجفانكم النوم ، ولقلوبكم الطمأنينة … إن وظيفة الشعر هي أن يغتال الطمأنينة .
ويقول شعرا عن الشعر : يا أصدقائي .. إنني الجرح الذي يرفض دوما سلطة السكين
يا أصدقائي الرائعين أنا الشفاه للذين ما لهم شفاه أنا العيون للذين ما لهم عيون
أنا كتاب البحر للذين ليس يقرأون أنا الكتابات التي يحفرها الدمع على غبار السجون
فأنا مقتنع أن الشعر رغيف يخبز للجمهور وأنا مقتنع – منذ بدأت –
بأن الأحرف أسماك وبأن الماء هو الجمهور أما قصيدة ( القصيدة ) للشاعر المنجي سرحان يشبه القصيدة بالبنفسجة ، ومن هذا الوصف المعنوي ينطلق ليتغنى» بمعاني الشعر :
إيه أيتها البنفسجة انطلقي..، فرحة تورق فوق هدبينا..،
وكما كان الشعر لأحمد مطر هو الوطن ، كان له الشعر فيقول في ذات القصيدة : أنت سيدة الوقت أنا غربة الشوق ، كل من لقيته أنكرني.. كل من لقيته.. صرت قاب قوسين من اليأس.. حتى لقيتك..!! تقتحمين طلاسمها تعبرين الصياغات.. تختصرين المجازات.. في نظرة واحدة! إيه أيتها البنفسجة الرائقة!!
والشعراء فوق الشواطي تدق طبولهمو.. أي ألحانهم أتخير لغتي.. لغتي في دمي..
ودمي مختصر في عيونك.. فاشتعلي.. وانطلقي.. وادخلي مملكتي ثم يتحدث عن أثر الشعر في ذاته: ( واختصري المسافات بين دمي.. ودمي.. دمدمي
أطلقي طيرك الناري يرعى كبدي.. واطفئي لظى القلب الظامي) أما الشاعر مهندس وحيد الدهشان ففي قصيدته ( الشعر ) ينتقل من الحديث حول أثر الشعر في ذات كاتبه إلى رحابة الهدف القيمي للأداء الشعري ، وينتقد من ضلوا عن هذا المعنى الأصيل نحو ربوع الإبهام والغموض المعجز للقارئ ، فيبدأ القصيدة بتوجيه النداء لهؤلاء الشعراء :
(يا من تشتت في ربوع الطلسم ماذا جنينا من كلام مبهم )
ثم يذكرهم بأن كل كلمات الإنسان يحاسب عنها ، وأنها ليست تمر هكذا ، وفي هذا هو يؤدي عن الآية الكريمة المستقرة في وعيه ففي آي الذكر الحكيم {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ق18 ، فيقول : فارفق بنفسك في المقالة يا أخي
فلسوف تحصى كل أقوال الفم
والشعر يأبى ان يكون طلاسما
أن يستعار كل رمز مظلم
ثم يبدأ في الحديث عن الشعر حديث العاشق ، والذي امتزج دمه به موضحا مراميه وأثره وضرورة الوعي بخطورة امره ، فيقول : الشعر في زمن الضلال منارة
إشعاعها كالآي للمتوسم
الشعر في زمن التخاذل وخزة
في قلب من يهوى حياة النَّوم
الشعر ما شق الصدور بريقه
وأنار فينا كل درب معتم
الشعر ما اخترق الحواجز موغلا
في النفس لا يكبو ودون تلعثم
الشعر ما ذابت له خلجاتنا
وانساب فينا في العروق كما الدم
الشعر آمال كبار صاغها
قلب يحلق في مدار الأنجم
الشعر ما اصطحب النفوس مطيعة
نحو العلا عبر الطريق الأقوم .
الشعر عند خالد الطبلاوي
ردحذفوما الشعر إلا شعورٌ رقيق
ونبض يعبر عما بيه
وروحٌ حوته دماء الأديب
وماءٌ يعربد في الساقيه
وفكرٌ يشعشع في كل درب
سناه نبوءته الباقيه
ووجدٌ وشوقٌ وفرحٌ وعشقٌ
تهيم به المهجة الواعية
وما الشعر إلا لسانُ الزمان
ومرآةُ أحواله العاتيه
ولونُ المكان وعزفُ الخيال
وقصُ القرون بلا راوية